من هم قوم تبع ؟

شيماء الخطيب

قوم تبع، من هم قوم تبع، ولما سموا بهذا الاسم، ذكر القرآن الكريم أسماء أقوام مختلفة كانت لهم قصص معبرة ومؤثرة وفيها عبرة وموعظة، من بينهم قوم تبع من هم وما سبب تسميتهم بذلك هذا ما سنعرفه من خلال موضوعنا اليوم.

من هم قوم تبع ؟

من هم قوم تبع :

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ” أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ”

وقال أيضاً في محكم التنزيل: “كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ . وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ . وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ”

ذكر الله تعالى أقوام كثيرة في القرآن منهم قوم لوط وقوم صلح وقوم هود وقوم تبع وغيرهم من الأقوام، ولكن لا يعرف الكثير منا من هم قوم تبع وما هي قصتهم، ولما سموا بقوم تبع، وهَلْ تبع هذا فرد أم مجموعة، وهَلْ كان موحداً أم لا،وللإجابة عن ذلك نشرح لكم مايلي:

أولاً: ذكر الله تعالى اسم تبع في موضعين في القرآن الكريم كما ذكرنا الآيات سابقاً، وكما شرح المفسرون أن تبع هذا كان شخصاً ملكاً من ملوك اليمن، كان مشركاً ثم أسلم وآمن بالله تبارك وتعالى على شريعة نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، ونزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الوحي في شأن الملك تبع، وقال بأنه كان رجلاً صالحاً، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم سب تبع.

قال صلى الله عليه وسلم: ” لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ” رواه أحمد.

وعن الحافظ بن كثير في تفسيره شيئاً من سيرة الملك تبع، فقال: “كانت حمير وهم قوم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تبعاً”، كما يقال كسرى لمن ملك الفرس وقيصر لمن ملك الروم وفرعون لمن ملك مصر قديماً والنجاشي لمن ملك الحبشة وهكذا.

وذكر القصة كاملة الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة أورد فيها أشياء مما ذكرنا سابقاً وأشياء أخرى زادت عليها، فقال أنه ملك دمشق وأنه كان إذا استعرض الخيل صفت له من دمشق إلى اليمن.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما أدري الحدود طهارة لأهَلْها أم لا؟ ولا أدري تبع لعيناً كان أم لا؟، ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم ملكاً، وفي رواية أعزيزاً كان أم نبياً أم لا؟”. رواه أبو داوود.

هَلْ كان تبع رجلاً مؤمناً أم لا :

اتفق الكثير أن تبع خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه، واتسعت مملكته وبلاده، وكثرت رعاياه وهو الذي مصًّر الحيرة فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية وذلك في عهد الجاهَلْية فأراد قتال أهَلْها فمانعوه وقاتلوه نهاراً وجعلوا يقرونه ليلاً فاستحيا منهم وكف أذاه عنهم، واستصحب معه حبرين من أحبار اليهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة، فإنها مهاجرُ نبي يكون في ىخر الزمان، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه عنها أيضاً، وأخبراه بعظمة هذا البيت وأنه من بناية نبي الله إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظمها وطاف بها، وكساها الملاء والوصال والحبير، ثم عاد إلى اليمن، ودعا أهَلْها إلى التهود معه وكان إذ ذاك دين موسى عليه السلام وفيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح عليه السلام فتهود معه أهَلْ اليمن.

 

وقيل أن تبع الذي ذكر في القرآن الكريم هو تبع الأوسط، واسمه أسعد ابو كريب بن ملكيكرب اليماني، وذكر أنه كان ملك حكم قومه ثلاثمائة وست وعشرون عاماً، ولم يكن هناك ملكاً حكم مدة أطول منه، وتوفي قبل مبعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بحوالي سبعمائة عام،

وقد ذكر أن تبعاً قد قال شعراً في نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم حينما أخبراه حبرا اليهود اللذان كانا معه في المدينة عنه وظل هذا الشعر يتوارثه الخلف والسلف وكان من بين حافظي ذلك الشعر من أهَلْ المدينة ابو ايوب خالد بن زيد الذي نزل في داره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الشعر هو:

شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه … رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَم

فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ … لَكُنْت وَزيرا له وابن عَم

وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ … وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَم

وذكر ابن أبي الدنيا أنه حفر قبر بصنعاء باليمن في الإسلام، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب: ” هذا قبر حبي ولميس، وروي: حبي وتماضر _ ابنتي_ ” تبع”، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئاً، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما.

وقال قتادة: ذكر لنا أن كعباً كان يقول في تبع نُعِت نًعْت الرجل الصالح، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: لا تسبوا تبعاً فإنه قد كان رجلاً صالحاً”.

وبذلك فإن تبع كان رجلاً صالحاً مؤمناً بالله وقتذاك على دين موسى كليم الله صلى الله عليه وسلم.

سبب تسمية تبع بهذا الاسم :

تبع ملك اليمن فتح مدناً كثيرة كالهند وغيرها من البلاد، وكما ذكرنا أنه كان ملكاً صالحاً مؤمناً بالله تعالى على شريعة نبي الله موسى عليه السلام، وكان يدعوا أهَلْ اليمن وغيرها من البلاد التي كان يفتحها إلى الإيمان بالله والتهود آنذاك، وذكر أنه عندما علم بمجيء رسول آخر الزمان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عند طريق حبرا اليهود اللذان كانا يتبعاه في غزواته، أوصى القوم باتباعهم له والإيمان به.

وسمي تبع باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس، أي أن: تبعاً يسير بغواته إلى كل مكان تشرق فيه الشمس، فكان يتبع سبباً، وقيل لأنه تتبعه الملوك عامة وملوك وأمراء اليمن خاصة.

كيف هَلْك قوم تبع :

قوم تبع كان ملكهم مؤمناً وأوصاهم باتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند ظهوره والإيمان برسالته، ومن ثم كفروا بعد ملكهم، فكان هَلْاكهم مصيرهم مثل غيرهم من القوم الكافرين.

ولكن لم يذكر القرآن الكريم تفصيلاً لعذابهم، ولا ذكر الكيفية التي تمت معاقبتهم بها، ولكن ذكر في سورة سبأ أن قوم سبأ أهَلْكوا بسيل العرم، وقيل أن قوم تبع هم أهَلْ سبأ بالرغم من عدم ذكر اسمهم صراحة في الآية.

وكان قوم سبأ قد أقاموا سداً بين جبلين، وكلما هبط المطر عليهم أغرقهم من وادٍ يسمى واد العرم، فأقاموا سداً سمي سد مأرب، وكانت الاستفادة الكبرى من ذلك السد، حيث كان يتم حجز المياه عن قوم سبأ ووضعوا بالسد بوابات كانوا يفتحونها وقت الحاجة، وفي ذلك الحين ازدهرت البلاد ونهضت الحضارة وكانت بلادهم وقتذاك بها خير كثير، ولكن عندما كفر قوم سبأ أو قوم تبع كما ذكرهم القرآن الكريم بذلك الاسمين، كان عذاب الله لهم بهَلْاك سد مأرب وسيل العرم عليهم.

فتحولت البلاد الخضراء المزدهرة الناهضة بالحضارة إلى أرض بور لا تقام فيها حياة، ثم دعوا الله أن يباعد الله بينهم وبين بعضهم في البلاد فتفرقوا وانتشروا في أنحاء البلاد في فرقة من بعضهم، ثم استتقر منهم جزءاًً في الحجاز وهم الأوس والخزرج.

آيات من القرآن الكريم في قوم تبع وقوم سبأ وهَلْاكهم :

قيل أن قوم تبع هو أهَلْ سبأ، لانهم كانوا يسكنون سبأ، وفيهم نزلت آيات من القرآن الكريم بالاسمين قوم سبأ وقوم تبع.

  • قال الله تعالى: “قَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيل، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ، إلى قوله تعالى: فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”.
  • وقال أيضاً سبحانه وتعالى: “أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ”.
  • وفي قوله تعالى: “وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد”.