شهدت الآونة الأخيرة ظهور مؤشرات دالة على وجود طلب متزايد على تأجير الوحدات في القطاع السكني الخاص لغرض غير تقليدي، وهو تعدين العملات الرقمية خصوصاً تلك ذات القيمة الرخيصة.
هذه «الظاهرة» وإن كانت لا تزال في مراحلها المبكرة، وبحالات محدودة، فإنها تثير تساؤلات عن أسبابها وتأثيراتها المحتملة على سوق العقارات والاقتصاد عموماً في الكويت، لاسيما وسط ما تستهلكه عملية التعدين من معدلات عالية من الطاقة الكهربائية.
ويعرض الراغبون في تعدين العملات على ملاك العقارات تأجير وحدة سكنية ذات مساحة كبيرة، بقيمة إيجارية أعلى من السوقية بما يتراوح بين 800 وألف دينار، إضافة إلى تحمّل كلفة الكهرباء الشهرية، وتشهد مناطق مثل الوفرة السكنية، وصباح الأحمد السكنية طلباً عالياً، إضافة الى دخول منطقة المطلاع قائمة المناطق الأكثر طلباً.
ويعود تركيز هؤلاء على تلك المناطق لرخص الإيجارات مقارنة بالمناطق الأخرى، إضافة إلى عدم اكتظاظها بالسكان كباقي المناطق، علاوة على أنها تتمتع بمساحات تناسب احتياجاتهم.
مميزات التأجير
وعموماً تقف وراء هذا الطلب المتزايد على تأجير العقارات السكنية أسباب عدة، منها رخص تكلفة استهلاك الكهرباء في القطاع السكني مقارنة بالقطاعات الأخرى، وهذا الأمر جاذب لهم، فعمليات التعدين تستهلك كميات هائلة من الطاقة الكهربائية، بالتالي فإن توفر مصدر طاقة مستقر وبتكلفة مقبولة عامل مهم جداً.
ومن الأسباب أيضاً توفر الخصوصية، التي تتمتع بها العقارات السكنية عن غيرها، إذ يفضل القائمون على عمليات التعدين العمل في بيئة خاصة تجنّبهم أي تدخلات محتملة أو عمارة مكتظة بالسكان.
كما أن الأجهزة التي يستخدمها القائمون على عملية التعدين تتطلب مساحات جيدة وتهوية لتجنّب ارتفاع درجة حرارتها فالبيوت السكنية الخاصة توفر هذه المساحات بشكل أفضل من الشقق أو الوحدات السكنية الأخرى ذات المساحات المشتركة.طلب متزايد على «السكني» لانخفاض تكلفة الكهرباء والخصوصية
أضف إلى ذلك أن القائمين على التعدين يتجنبون القيود المحتملة في المجمعات السكنية، التي قد تفرضها على استهلاك الطاقة أو الضوضاء الناتجة عن أجهزة التعدين، مما يدفعهم للبحث عن بيوت مستقلة لا تخضع لهذه القيود.
سلبيات التعدين
ولا يخفى على أحد أن تعدين العملات الرقمية يحمل العديد من السلبيات حالياً ومستقبلاً، وعلى العديد من القطاعات، إذ يستهلك معدلات عالية من الطاقة الكهربائية، ووسط الأزمة الكهربائية التي تعيشها البلاد حالياً، فإن هذه العملية ستساهم في تفاقم الأزمة، خصوصاً أن استهلاك البيت المؤجر للقيام بهذه العملية يوازي استهلاك عدد من المنازل.
وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه وعدم منع هذه الحالة، ووقف انتشارها في المناطق، بالتأكيد سيؤدي ذلك إلى الضغط على البنية التحتية للكهرباء، هذا بالإضافة إلى أن هناك مخاطر أخرى، فأجهزة تعدين العملات تصدر حرارة عالية وقد تتسبب بحرائق، خصوصاً مع انعدام إجراءات السلامة، كما حدث مع عمارة المنقف، التي تم تأجيرها لأصحاب الأنشطة التجارية واستخدامها مخازن للبضائع.
ويمتد تأثير تعدين العملات الرقمية ليصل أيضاً إلى القطاع العقاري السكني، إذ سيعمل على رفع القيم الإيجارية، خصوصاً التي تتمتع بمواصفات تجعلها مناسبة لعمليات التعدين، مثل المساحة الكبيرة، ووجود نظام تبريد جيّد وتوصيلات كهربائية قوية.
كما سيعمل على تغير في تفضيلات المستأجرين، إذ سيبدأ المستأجرون البحث عن عقارات ذات مواصفات محددة تناسب احتياجات التعدين، مما قد يؤثر على أنواع العقارات المطلوبة في السوق.
في المقابل، يرى بعض أصحاب العقارات السكنية تأجير بيوتهم لغرض التعدين فرصة لتحقيق عوائد أعلى، وهذا سيدفعهم للبحث عن مثل هؤلاء المستأجرين، خصوصاً مع تحمّلهم تكاليف الكهرباء الشهرية ودفع قيمة إيجارية أعلى من السوق.
ولا يقف تأثير تعدين العملات الرقمية عند هذا الحد، بل يمتد إلى أكثر من ذلك، إذ يمكن أن تتخلله عمليات غسل أموال، ما سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني والقطاع المالي ويقوّض الجهود البذولة لمكافحة عمليات الغسل والاحتيال المالي.
وقفة جادة
على الرغم من أن حالات تعدين العملات الرقمية محدودة حالياً، لكنها تتطلب وقفة جادة من الجهات المعنية، قبل أن تتحول إلى ظاهرة لا يمكن السيطرة عليها مستقبلاً أو أنها تتسبب بوقوع حوادث أو مشاكل يمتد تأثيرها إلى عدة قطاعات، ويجب مراقبة استهلاك الطاقة في المناطق السكنية، لتحديد أي زيادات غير طبيعية قد تشير وجود أنشطة التعدين، ومعلوم أن استهداف الراغبين في التعدين للعقارات السكنية مرده إلى رخص تكلفة الكهرباء مقارنة بباقي القطاعات الأخرى.
وللعديد من الدول تجارب ساهمت في ترشيد ومنع الاستهلاك المفرط في العقارات السكنية، حيث طبّقت نظام شرائح لاستهلاك الكهرباء، بحيث تكون الشريحة الأولى مدعومة وفي حال تجاوز المعدلات الطبيعية ترتفع تكلفة الكهرباء، وبهذه الطريقة يمكن ترشيد الاستهلاك بمعدلات كبيرة.
إضافة إلى ذلك يجب توعية أصحاب العقارات والمستأجرين بالمخاطر والمسؤوليات المتعلقة بتأجير البيوت لغرض تعدين العملات الرقمية، بما في ذلك القضايا القانونية واستهلاك الطاقة والضوضاء والأمان.التأثير السلبي لـ«التعدين» يمتد إلى عدة قطاعات ويقوض جهود مكافحة غسل الأموال
الوضع القانوني
يختلف موقف الدول والجهات التنظيمية تجاه هذه الأنشطة بشكل كبير، في دولة الكويت، أصدرت عدة جهات رقابية وتنظيمية، هي بنك الكويت المركزي، وهيئة أسواق المال، ووزارة التجارة والصناعة، ووحدة تنظيم التأمين، تعاميم للوحدات الخاضعة لرقابة كل منها على حدة، حظرت فيها مطلقاً استخدام الأصول الافتراضية كأداة او وسيلة دفع أو الاعتراف بها كعملة غير مركزية في الكويت، إضافة إلى الامتناع عن إجراء معاملات تستخدم العملات الافتراضية بموجبها كأداة او وسيلة دفع في نطاق هذا الحظر.
وقامت العديد من دول العالم بمحاربة وحظر تعدين العملات لما لها من سلبيات عديدة، فيما اتجهت دول إلى تنظيمها وفرض رسوم وضرائب عليها، وتواجه صناعة تعدين العملات حالياً صعوبات وسط الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العديد من السلع ومنها الأجهزة.
0 تعليق