أفاد التقرير الأسبوعي لمركز «الشال» الاقتصادي بأن أكبر أعداء القرار الاقتصادي الرشيد، هو اتساع مساحة المجهول، والحرب التجارية الأخيرة بسبب قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعادت الاضطراب إلى الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق منذ ثلاثينيات القرن الفائت، ومعها غياب اليقين في أوسع حالاته، وتداعيات تلك الاضطرابات تزداد طرداً مع درجة انخفاض قدرة كل دولة على التعامل مع مخاطر تلك المرحلة.
في التفاصيل، ولأن تداعيات تلك الاضطرابات على كلٍ من سوق النفط وأسعار الأصول المالية هي الأعلى، ذلك يجعل من الكويت الأعلى عرضة للمخاطر نتيجة الارتفاع الكبير في اعتمادها على كلٍ من إيرادات النفط وأداء استثماراتها الأجنبية، يضاعف أثرها إتساع مساحة المجهول حول مسار السياسة الاقتصادية المحلية.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقرير لها مارس الفائت، خفضت توقعاتها لأداء الاقتصاد الأميركي، وهو منشأ الحرب التجارية، لعام 2025 من 2.1في المئة إلى 1.7في المئة، وذكرت أن تلك الحرب ستؤدي إلى خفض نمو الاقتصاد العالمي، وتزيد من معدلات التضخم، وتؤخر بدء الفدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة.
وفي تقرير لنفس الوكالة صادر في 11 أبريل الجاري، يذكر أن انخفاضاً بـ 10 دولارات لسعر برميل النفط، يؤدي إلى انخفاض الإيرادات العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، ما بين 1.5في المئة من حجم الناتج المحلي لأدناها اعتماداً على النفط، أو الإمارات العربية المتحدة، وأكثر قليلاً من ثلاثة أضعافه، أو 4.6في المئة، لأعلاها اعتماداً على النفط، أي الكويت.
الانخفاض بـ 10 دولارات لسعر برميل النفط يجعل الكويت الأعلى خليجياً في تراجع الإيرادات العامة
ولا أحد يعرف مسار تلك الحرب التجارية، فلم يعد يحكمها منطق، لكن، المؤكد، أن أحد أهم ضحاياها هو سوق النفط، والخلاف هو، حول مدى تأثره وليس حتمية التأثر، وفقد سعر برميل النفط الكويتي ما بين معدله البالغ نحو 79.7 دولاراً أميركياً للسنة المالية الفائتة 2024/2025، وسعره في 15 أبريل الجاري البالغ 68.7 دولاراً للبرميل، نحو 11 دولاراً، أو نحو 13.8-في المئة.
وفي بلد تمول إيرادات النفط نحو 90في المئة من نفقات موازنته، و91في المئة من تلك النفقات جارية وبلا مردود، ستضطر إلى توجيه كل حصيلة الاقتراض وفق القانون رقم 60 لسنة 2025 لتمويل عجز الموازنة الجاري المتزايد والمستمر منذ السنة المالية 2014/2015 وحتى الموازنة الحالية، باستثناء السنة المالية 2022/2023، أي بدء ولوج مصيدة الديون.
ذلك الارتباط القوي ما بين تداعيات حرب العالم التجارية على الاقتصاد العالمي وتداعياتها المحلية، يمتد إلى أهم عامل للاستقرار في الكويت، أو احتياطي الأجيال القادمة، والمؤشرات تؤكد تعرضه لخسائر غير محققة، لا نعرف حجمها ما لم نعرف تفاصيل توظيفه، وأصوله في معظمها لن تخرج عن الأسهم والسندات والعقار وحقوق الملكية الخاصة.
وما بين بداية العام الحالي، و15 أبريل الجاري، خسر الدولار الأميركي وخسرت كل الأصول المقومة به مثل سندات الخزانة، والأسهم مقاسة بحركة مؤشر «داو جونز» الذي فقد 5.1-في المئة، ومؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الذي فقد نحو 8.2-في المئة، ومرة أخرى، لا نعرف إن كانت تلك المؤشرات سوف تستعيد خسائرها أو تزيدها، ولكن مسارها لن يعود إلى ما كان عليه قبل بدء تلك الحرب حال استمرارها.
توجيه كل حصيلة الاقتراض لتمويل عجز الموازنة يعني بدء ولوج مصيدة الديون
واستعارة من التاريخ تخبرنا بأن حمائية ما بعد الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الفائت وكان عالم الاستقطابات الثلاثة -دول المحور وروسيا الشيوعية والغرب الليبرالي- انتهت بمأساة، وحمائية ما بعد فكاك ارتباط الدولار الأميركي بقاعدة الذهب في عام 1971 قادت إلى حقبة طويلة من الركود التضخمي، وحمائية اليوم سوف تنتهي بتكاليف كبيرة على الاقتصاد العالمي يصعب تقديرها.
وفي الكويت، وحتى قبل هذه الأزمة بزمن طويل، غاب الوعي بمخاطر عدم استدامة الاقتصاد وماليته العامة وانكشافه شبه الكامل على متغيرات الخارج، واليوم، ومع تأثرها السلبي من عوامل لا سلطة ولا تأثير لها عليها، تحتاج إلى جراحة في تعريف وإعادة صياغة أولوياتها الحقيقية، وإلى خارطة طريق صارمة لتنفيذها، قبل أن يفوت أوان الإصلاح، فالموارد لا تزال متوفرة، والغائب تماماً هو حد أدنى لسلامة إدارتها.
0 تعليق