الناقد د. عبد الحق بلعابد يستعيد ذكريات رمضان الطفولة بالجزائر: بدأت في الخامسة المنافسة على الصيام لأطول فترة

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الناقد الجزائري الدكتور عبد الحق بلعابد أستاذ الأدب والنقد في جامعة قطر، إن ذكرياته الرمضانية في الجزائر خلال السبعينيات والثمانينيات، تحمل معها الروحانية والدفء العائلي. وأوضح في حديثه مع «العرب» عن ذكرياته وقت الطفولة مع شهر رمضان، أن الأطفال كانوا يترقبون قدوم الشهر الفضيل لبهجة تلك الاستعدادات المسبقة التي تستقبله بها كل العوائل الجزائرية تحضيرا لأكلاته وحلوياته وتزيينا لجلساته، كما كان استقبال الأطفال للشهر الكريم بشغف بالغ، ممزوجًا بشيء من الرهبة، خاصة أن العائلات الجزائرية كانت تحرص على ختان أطفالها في العشر الأواخر من رمضان، وهو ما جعل الشهر مناسبة دينية واجتماعية خاصة تمتزج فيها العبادة بالاحتفال.

 وأضاف بلعابد إن الاستعدادات لرمضان كانت تبدأ مبكرًا، حيث تتسابق العائلات الجزائرية في تجهيز الأطعمة والحلويات الرمضانية، إلى جانب تزيين المنازل استعدادًا للسهرات العائلية التي تمتد حتى وقت السحور، حيث تتعزز أواصر المحبة والتراحم بين أفراد العائلة.

تحدٍّ واحتفال خاص
ويعود الدكتور عبدالحق بلعابد إلى أيام طفولته، عندما بدأ تجربة الصيام وهو في الخامسة أو السادسة من عمره، حيث كان يتنافس مع أصدقائه في الحي على من يستطيع الصيام لأطول فترة، فكان بعضهم يصمد حتى الظهر، فيما يتمكن آخرون من الصيام حتى أذان المغرب، خاصة في ليلة القدر التي كانت تحظى بقدسية خاصة عند الجزائريين.
وبروح الطفولة البريئة، يعترف بلعابد أنه كان أحيانًا يسترق رشفة ماء أو يتناول قطعة صغيرة من حلوى «قلب اللوز» التي كانت تُعد من أشهى الحلويات الرمضانية في الجزائر، والتي كانت تُحضر منذ الليلة السابقة، فتغري الصغار برائحتها ومذاقها.

لحظة دخول عالم الكبار
وأضاف بلعابد أن التجربة الأبرز التي ما تزال عالقة في ذاكرته هي يوم صيامه الكامل الأول عندما كان في العاشرة من عمره ، وقررت العائلة الاحتفال به، كما كان تقليدًا شائعًا في الجزائر، حيث تحرص العائلات على تكريم الطفل الذي يصوم لأول مرة، فكانت والدته توقظه على السحور، وتوصيه بأن ينوي الصيام، ليشعر بأنه قد أصبح فردًا من عالم الصائمين الكبار ويجلس في السفرة مع الكبار.
يتذكر بلعابد كيف كان ذلك اليوم يوم اثنين في فصل الربيع، حيث كان يدرس نصف يوم فقط، مما ساعده على مقاومة الجوع والعطش، وكان يشم روائح الطعام الشهية التي كانت تعدها والدته، مثل «شوربة الفريك»، «طاجين الحلو»، «شطيطحة الدجاج»، و«المثوم»، لكنه غلبه النعاس فنام حتى قبل المغرب، ليستيقظ على لحظة الإفطار وسط أجواء احتفالية.

عادات جزائرية متجذرة
ويشير بلعابد إلى أن رمضان في الجزائر لم يكن مجرد صيام وعبادة، بل كان مناسبة اجتماعية وثقافية بامتياز، حيث كانت العائلات تتبادل الزيارات، وكان الأطفال يحتفلون بالشهر الفضيل.
أما عن الأجواء الرمضانية المسائية، فقد كانت العائلات الجزائرية تجتمع حول كؤوس الشاي الأخضر المنعنع، وتتبادل الأحاديث، بينما تتزين الموائد بحلويات جزائرية شهيرة مثل «قلب اللوز»، «البقلاوة»، و»الصامصة»، وكانت هذه السهرات تمتد حتى السحور، حيث يتم تناول عصير «الشَّارْبَات»، الذي يعتقد الجزائريون أنه يجلب البركة ويحلي أيام الصيام.
ويختتم بلعابد حديثه قائلًا: «رمضان ريحانة الصبى، جعله الله أياما مديدة، وسنوات عديدة، لما يحمله من قيم مستدامة للأجيال القادمة»، مؤكدًا أن رمضان في الماضي لم يكن مجرد شهر صيام، بل كان شهرًا للفرح، التلاحم، والتقاليد العريقة التي شكلت الهوية الجزائرية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق