قصص إسلامية
أي حديث في وسط المعركة عن الهزيمة هو محض خيانة، والحكمة أن تقاوم لا أن تطعن رفيقك، وتلومه والنار مشتعلة في داره.
حاخامات اليهود الصهاينة ينادون بقتل أهلنا في غزة وفلسطين، ويدعمون جيشهم المحتل المتوحش بكل قوة، وبعض حاخاماتنا لايفتر لسانهم من الطعن في المقاومة المسلمة، وتضحياتها، وكل من يناصرها، مفتونون، نسأل الله السلامة والعافية.
حين رأينا المشاهد خلف أسوار معبر رفح، شعرنا بمرارة الخذلان...، خذلان أمةٍ كنّا نظنها سنداً، فإذا بالبعض يرقص على الدم.
كيف يُعقل أن تُرفع الشعارات وتُقرع الطبول، بينما في الجهة المقابلة تُنتشل جثث الأطفال من تحت الركام؟ أي تضامنٍ هذا الذي يرقص على جراحنا؟
وسؤال للمؤرخين فقط: هل مرّت عليكم ظاهرة تخاذل المسلمين عن نصرة اخوتهم- عبر التاريخ- كما هو اليوم تجاه إخواننا المستضعفين غزة وفلسطين؟
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم): "المسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَخونُه ولا يَكذِبُهُ ولا يَخذُلُه، كُلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حَرامٌ؛ عِرضُهُ ومالُهُ ودَمُهُ، التَّقوى هاهنا، بحسْبِ امرئ من الشرِّ أن يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ". (رواه مسلم).
يعود الطوفان والإعصار والممارسات والأخطاء القاتلة مرة أخرى، ولا نتعلم من التاريخ وما حل بالأمم قبلنا. هل سيدخل المسلمون في أسوأ وأقبح من السنوات التي مرت على الأمة عبر التاريخ، أم سيدركون أنفسهم، ويعودون إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟
لقد بدأ الإعصار المغولي الرهيب على بلاد المسلمين، بعد أن عم الفساد وكثر الخبث، وانتشرت الرذيلة، وساد الظلم، وكثرت الخيانات وضعف الدين.
لقد جاء جنكيز خان بجيشه الكبير في الهجمة التتارية الأولى لغزو مملكة خوارزم شاه، وخرج له محمد بن خوارزم شاه بجيشه أيضا، وكان هذا في سنة 616هجرية، أي بعد ثلاث عشرة سنة فقط من قيام دولة التتار، التي بدأت في منغوليا في جزء صغير منها سنة 603 هجرية، ولم تأت سنة 616 هجرية، إلا وكانت قد احتلت كل شرق آسيا تقريباً، ولم يبق غير الدولة الخوارزمية.
التقى جيش التتار مع جيش خوارزم في شرق الدولة الخوارزمية، واستمرت الحرب أربعة أيام متصلة في شرق نهر سيحون، المعروف حاليا بنهر سرداريا، والواقع في كازاخستان المسلمة، فقتل من الفريقين خلق كثير، واستشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفا، ومات من التتار أضعاف ذلك.
ثم تحاجز الفريقان، ثم انسحب محمد بن خوارزم شاه بعد أن وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب إلى تحصين المدن الكبرى في مملكته، وبالذات العاصمة أورجندة، وانشغل بتجميع الجيوش من أطراف مملكته.
وقد كان محمد بن خوارزم شاه حاد الطبع متسرّعا باتخاذ القرار، مما جعل وضعه السياسي منفصلاً، ومعادياً للخلافة العباسية في العراق، وغيرها من الممالك الإسلامية، فلم يكن على وفاق مع الأتراك، ولا مع السلاجقة، ولا مع الغوريين في الهند، تلك الدول الإسلامية القوية، في ذلك الوقت.
لهذا كانت مملكته معزولة ومكروهة، مما جعله وحيداً في مواجهة الغزو التتاري المهول، وهذه المملكة، وإن كانت قوية وكبيرة وثرية، إلا أنها لم تصمد بمفردها أمام الضربات التتارية المتوالية.
أما جنكيز خان فقد جهز جيشه من جديد، واخترق إقليم كازاخستان، وهي دولة حجمها ثلاثة ملايين كيلومتر مربع تقريبا، وقطعه دون مقاومة تذكر، حتى وصل إلى مدينة بخارى وهي حاليا في أوزباكستان، وبلدة الإمام الجليل، والمحدث العظيم البخاري (رحمه الله)، فحاصرها، ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان.
وكان محمد بن خوارزم شاه بعيدا عنها في ذلك الوقت، فقد كان يعيش في أورجندة تقع في تركمانستان (حاليا) فاحتار أهلها ماذا يفعلون، ثم ظهر رأيان:
الأول: نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا.
أما الآخر فيرى أن يأخذ الأمان، ويفتح الأبواب للتتار؛ لتجنب الإبادة والقتل. وانقسم أهل البلد إلى فريقين، واحد من المجاهدين قرروا القتال واعتصموا بالقلعة في المدينة، وانضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها، وفريق آخر من المستسلمين، وهم الفريق الأعظم والأكبر في المدينة، فقرروا فتح أبوابها والاعتماد على أمان التتار، ودخل جنكيز خان المدينة، وأعطى أهلها الأمان فعلا في أول دخوله خديعة لهم؛ وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين في القلعة الكبيرة.
وبدأ في حصار القلعة، وأمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة؛ ليسهل فتحها، فأطاعوه، واصطفوا معه في محاربة شعبهم، بل استطاع جنكيز خان ومعه المسلمون المستسلمون أن يشيطنوا المقاومين المجاهدين، وعملت آلتهم الإعلامية على تثبيط المقاومين المجاهدين ووصفهم بالإرهابين المغامرين.
ولا تستغربوا ذلك الاصطفاف، فنحن نرى كثيرا من جيوش المسلمين يتحالفون ويحاربون مع أعدائهم ضد إخوانهم المسلمين، فحوصرت القلعة عشرة أيام، ثم فتحت عنوة، ولما دخلها جنكيز خان، قتل من فيها من المقاومين المجاهدين جميعاً، ولم يبق فيها مجاهد، وهنا بدأ في خيانة عهده، فسأل أهل المدينة عن ثرواتها وكنوزها، وأموالها وذهبها وفضتها، واصطفى كل ذلك لنفسه، ثم استباح المدينة لجنده، ففعلوا فيها ما لا يتخيله عقل. يقول ابن كثير (رحمه الله) في "البداية والنهاية" مصورا ما فعله التتار في بخارى: "فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن، وارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء، والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعل التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة تماما، حتى صارت خاوية على عروشها". (انتهى الاقتباس).
نحن مع الأسف الشديد لا نستفيد من التاريخ، ولا من تجارب سلفنا ابداً، نحن اليوم نترقب الطوفان والإعصار والدمار بسبب الممارسات، والأخطاء القاتلة مرة أخرى، ولا نتعلم من التاريخ.
ترى هل سيدخل المسلمون في أسوأ، وأظلم وأقبح، من السنوات التي مرت على الأمة عبر التاريخ، أم سيدركون أنفسهم، ويعودون إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟
أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة وعظة "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".
إمام وخطيب
0 تعليق