بينما تتواصل نيران الحرب في قطاع غزة وتحصد الأرواح، تعيش إسرائيل واحدة من أخطر أزماتها السياسية والأمنية، حيث يتصاعد الغضب داخل أروقة السلطة وسط تمسك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمواصلة القتال، متحديًا ضغوط المعارضة ونداءات التهدئة.
اجتمع كبار قادة المعارضة الإسرائيلية، وعلى رأسهم يائير لابيد وبيني غانتس وأفيغدور ليبرمان ويائير غولان، لمناقشة إفادة مثيرة لرئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، رونين بار، حول الإخفاقات التي سبقت هجوم 7 أكتوبر. وجّهوا انتقادات حادة لنتنياهو، معتبرين أن تصرفاته تمس بأمن الدولة وتعرّض مستقبلها للخطر.
ليبرمان حذر من “غليان شعبي” قد يصل إلى حدود “الاغتيال السياسي”، في مؤشر خطير على عمق الأزمة التي تهزّ إسرائيل من الداخل.
أخبار تهمك
وفي خضم هذا التصعيد، طفت إلى السطح فضيحة سياسية-أمنية جديدة، بعد محاولة الحكومة إقالة رئيس الشاباك، قبل أن تتدخل المحكمة العليا وتجمّد القرار، إثر طعون تقدّمت بها المعارضة.
رونين بار، وفي بيان ناري أمام المحكمة، رفض اتهامات نتنياهو، كاشفًا عن تحذيرات مسبقة وجهها للحكومة منذ يوليو 2023 حول خطر وشيك، واتهم رئيس الوزراء بـ”التحريض المؤسسي” عليه وعلى جهازه. وأكد أن الشاباك أبلغ الجيش والمؤسسة الأمنية بمؤشرات غير معتادة قبل ساعات فقط من هجوم حماس، لكنه أقر أيضًا بوجود إخفاق استخباراتي في التقدير.
رغم كل ذلك، يتمسك نتنياهو بخطته العسكرية، معتبرًا أن هذه الحرب “ستغير وجه الشرق الأوسط”، ومؤكدًا أنه “لن يسمح بقيام خلافة على شاطئ المتوسط”، نافياً ما وصفه بـ”دعاية سياسية” تبثها المعارضة.
نتنياهو يواصل الحرب
وفي وقت تواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية قصف قطاع غزة، مسجلة أكثر من 168 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، يقف المجتمع الدولي متفرجًا، بينما تنزلق إسرائيل نحو مواجهة داخلية قد تكون الأشد منذ تأسيسها.
تعود جذور الأزمة الحالية في إسرائيل إلى صباح السابع من أكتوبر 2023، حين شنّت حركة حماس هجومًا مفاجئًا واسع النطاق على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، في عملية غير مسبوقة أربكت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأظهرت هشاشة المنظومة الاستخباراتية رغم تحذيرات سابقة من تصعيد محتمل.
الهجوم أسفر عن مئات القتلى والجرحى وأسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين، مما دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى إعلان الحرب وبدء حملة عسكرية مكثفة على قطاع غزة تحت شعار “القضاء على حماس”.
ومنذ ذلك الحين، اندلعت واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث خلفت، بحسب مصادر فلسطينية، أكثر من 168 ألف قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين، وتسببت في دمار هائل بالبنية التحتية والمنازل والمرافق الصحية والتعليمية.
في الداخل الإسرائيلي، تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لنتنياهو وحكومته اليمينية، وسط اتهامات بإهمال التحذيرات الأمنية وانشغال الحكومة في قضايا داخلية، أبرزها خطة “إصلاح القضاء” المثيرة للجدل التي فجّرت انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي، واستُغلت – بحسب تقارير استخباراتية – من قبل أعداء إسرائيل لشن الهجوم المفاجئ.
كما أدى الفشل في استعادة الرهائن، وتعثر التوصل إلى اتفاق تبادل مع المقاومة الفلسطينية، إلى تعميق الأزمة، ودفع المعارضة إلى التشكيك في جدوى استمرار الحرب، متهمة نتنياهو بتغليب مصلحته السياسية على المصلحة الوطنية، في ظل مواجهته أيضًا ملاحقات قضائية بتهم فساد.
في هذه الأجواء المشحونة، برز خلاف علني غير مسبوق بين نتنياهو ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، بعد اتهامات متبادلة حول المسؤولية عن فشل يوم 7 أكتوبر، مما دفع الحكومة لمحاولة إقالة بار، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا خطيرًا أثار حفيظة القضاء والمعارضة، وزاد من هشاشة الوضع الداخلي.
كل ذلك يأتي بينما يزداد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب، وسط تقارير متزايدة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في غزة، فيما تصر حكومة نتنياهو على استكمال العملية العسكرية حتى تحقيق أهدافها المعلنة، ما ينذر بمزيد من التوترات داخليًا وخارجيًا.
0 تعليق