قصص إسلامية
كانت معركة القصر الكبير التي شغلت الرأي العام العالمي، حينذاك لفترة طويلة، لما لها من نتائج، لانها بالنسبة للمسلمين في المغرب، وبقية العالم الإسلامي كانت بمنزلة معركة "بواتييه" أو "بلاط الشهداء" في أوروبا. كما أسفرت عن العديد من النتائج، التي تركت بصماتها واضحة جلية على خريطة العالم المعاصر حينها، فقد استمرت المعركة ست ساعات، هُزمت فيها البرتغال وحلفاؤها جميعا، لم ينجُ من الأسر والقتل إلا مئة رجل. أنهت تلك المعركة أسطورة دولة البرتغال القوية، آنذاك، وأبرزت إفلاس الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، والتي كان البرتغاليون يتقربون بها إلى البابوية في بلاد المغرب، أو غيرها من بلاد العالم الإسلامي. وإليكم قصتها: قاد الملك البرتغالي قوات جرارة تفاوتت المصادر التاريخية في ذكرها، ما بين 150 ألف مقاتل وثمانين ألفا.
وأرسى جميع قطع أسطوله بمدينة أصيلا التي اتُّخذت للانطلاق لغزو المغرب، وقد كان وصول القوات المهاجمة يوم الاثنين 12 يوليو 1578، حيث عسكرت في ضواحي مدينة أصيلا، بالإضافة إلى قوات المتوكل على الله التي كانت تُقدَّر بنحو خمسمئة فارس فقط.
بقيت قوات الحملة البرتغالية في ضواحي مدينة أصيلا نحو أسبوعين، وكان المعتصم عبد الملك السعدي قد عسكرَ بقواته عند "سوق الخميس" على بُعد ستة أميال جنوب وادي القصر الكبير، وكاتب المعتصم سباستيان قائلا: "إني قد جئتُك من مراكش، ورحلت إليك ست عشرة مرحلة (من 600 إلى 700كيلومتر) وأنت لم تدنُ إليّ مرحلة واحدة".
والمرحلة مسافيا تقدر بنحو 44 كيلومترا، وكان السلطان عبدالملك يهدف من وراء ذلك الخطاب إلى إبعاد سباستيان وقواته عن قواعدها، ومراكز تموينها، ليسهل القضاء عليها، ولو بمقدار مرحلة واحدة.
وبالفعل تحرك سباستيان حين أدرك أن المعتصم وقواته لن تتقدَّم أكثر من ذلك، وأخيراً اقترب الجانبان في وادي المخازن بعد عبور البرتغاليين نهره، جنوب مدينة القصر الكبير أو "قصر كتامة"، التي تقع شمال المغرب، وذلك في 4 أغسطس 1578.
وكان السلطان المعتصم عبد الملك قد اشتد به المرض ليلة المعركة، وفي صبيحتها أمر فِرقة من قواته بهدم قنطرة نهر وادي المخازن حتى لا يجد البرتغاليون طريقا للرجعة.
قال السلاوي في كتابه "الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى" عن تلك الأجواء: "لما التقت الفئتان، وزحف الناس بعضهم إلى بعض، وحمي الوطيس، واسودّ الجوّ بنقع الجياد، ودخان المدافع، وقامت الحرب على ساق؛ تُوفي السلطان
أبومروان (عبد الملك) رحمه الله عند الصدمة الأولى، وكان مريضا يُقاد به في محفّة (نقّالة)، فكان من قضاء الله السابق، ولُطفه السابغ أنه لم يطلع على وفاته أحد إلا حاجبه مولاه رضوان العلج، فإنه كتم موته، وصار يختلف إلى الأجناد، ويقول السلطان يأمر فلانا أن يذهب إلى موضع كذا، وفلانا يلزم الراية، وفلانا يتقدم، وفلانا يتأخّر.
على أن المولى أحمد المنصور أخا السلطان المتوفى، والي مدينة فاس الحاضر في تلك المعركة، لما وقف على وفاة أخيه المعتصم، تسلّم زمام قيادة المعركة مع رضوان الحاجب، وقد اشتد وطيسها، وأذن الله بانتصار قوات المسلمين على البرتغاليين وحليفهم الخائن السلطان المخلوع المتوكل على الله، بل قُتل دون سباستيان في قلب المعركة، وحاول المتوكل الهرب، لكنه غرق في نهر وادي المخازن، وكان المعتصم قد جاء أجله في اليوم ذاته، فسُميت المعركة بـ "معركة الملوك الثلاثة" لهذا السبب.
عقب ذلك الانتصار، جمعَ الملكُ المنصور أحمد السعدي كبار قادة الجيش والشرفاء، والوجهاء، والأتراك الذين قدموا بفرقة عسكرية داعمة لحليفهم المعتصم عبد الملك.
انتصر المغاربة بعد هذه الملحمة البطولية، بعد مساعدة سخية من العثمانيين، الذين جاؤوا بخمسة آلاف مقاتل تركي من الجزائر، وفي نهاية المعركة عُثر على جثة المتوكل طافية عند نهر وادي المخازن، فأُمر بسلخها وحشوها تبنا، وإرسالها إلى مراكش وغيرها لتكون للناس عبرة جراء خيانته وتحالفه مع أعداء وطنه ودينه، فسُمّي من يومئذ بالسلطان "المسلوخ".
إمام وخطيب
0 تعليق