محليات
18

قطر وبريطانيا
الدوحة - قنا
تتميز العلاقات القطرية البريطانية بأنها متجذرة وتاريخية تمتد لعقود طويلة، وتستند على أسس قوية من التفاهم والانسجام، والتعاون والاحترام المتبادل والرغبة المشتركة في تحقيق المصالح العليا للشعبين الصديقين.
وقد اكتسبت هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، رسوخا قويا ونموا غير مسبوق انطلاقا من الصداقة التاريخية بين البلدين، التي تضفي على علاقاتهما الثنائية ثقلا وتفردا ينعكس على كافة مجالات التعاون بين البلدين، والتي اتسعت لتشمل الصحة والتعليم، والعلوم، والثقافة، والرياضة، والعديد من المجالات الأخرى التي ما زالت في توسع مستمر.
وفي مؤشر على عمق ومتانة العلاقات القطرية البريطانية في الحاضر والمستقبل يأتي انطلاق الحوار الاستراتيجي القطري البريطاني الثاني، بالدوحة، برئاسة معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وسعادة السيد ديفيد لامي وزير الخارجية بالمملكة المتحدة الصديقة، تحت شعار " شركاء من أجل المستقبل". ويمثل الحوار الاستراتيجي الثاني، محطة أخرى في الدفع بالشراكة بين دولة قطر والمملكة المتحدة، ويؤكد عزم الطرفين المستمر على مواصلة تعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات.
و يأتي هذا الحوار في أعقاب زيارة الدولة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى لندن في ديسمبر الماضي تلبية لدعوة جلالة الملك تشارلز الثالث ملك المملكة المتحدة، ومباحثات سموه مع دولة السيد كير ستارمر رئيس الوزراء بالمملكة المتحدة، والتي أقر الطرفان خلالها مسارات لتعزيز الشراكة في مجالات التجارة والاستثمار والتعاون لمعالجة التحديات العالمية والتقدم المحرز في النمو المتبادل والابتكار التكنولوجي والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر المستدام ومجال علوم الحياة والصناعات الإبداعية والتعاون الثقافي، ومتابعة تعاونهما الوثيق وتبادل المعرفة بشأن حل النزاعات.
وسيبحث الحوار الاستراتيجي الثاني، التعاون بين البلدين في أربعة محاور رئيسية هي : /الازدهار المستقبلي، ومستقبل آمن، ومستقبل أكثر عدلا، ومستقبل العلاقات بين الشعبين/، وتندرج تحت هذه المحاور ثماني مجموعات عمل معنية بمجالات: الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب والتجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتنمية والوساطة والثقافة، والتعليم، والتراث، والصحة.
وسيشهد الحوار كذلك إطلاق مجموعة عمل في مجال التكنولوجيا والابتكار والعلوم والابتكار، ومجموعة عمل في مجال الصحة، بجانب بحث الآفاق المتاحة للدفع بالتعاون بين البلدين في مجالات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي والفرص المستقبلية، بما في ذلك دورها في دعم تطبيقات الرعاية الصحية والبيانات الصحية.
وسيعمل الحوار الاستراتيجي الثاني على تعميق الشراكة القطرية البريطانية في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والدفاع والأمن، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وسيشهد تعزيز التنسيق المشترك والتعاون لمعالجة التحديات العالمية، وعقد الاجتماع الأول لمجموعة عمل للتنمية، وإنشاء فريق عمل معني بالوساطة، حيث يعمل البلدان معا - في أعقاب الالتزام بتمويل مشترك بقيمة 100 مليون دولار أمريكي في البرامج الإنسانية والتنموية - لاستكشاف برامج مشتركة في المجالات ذات الأولوية، في قطاع غزة والسودان وسوريا واليمن والصومال وبنغلاديش، بالإضافة إلى تطوير القدرات في مجال السلام وحل النزاعات دعما للجهود الدولية المشتركة في إحلال السلام.
وكانت الجلسة الافتتاحية للحوار الاستراتيجي الأول بين دولة قطر والمملكة المتحدة، قد عقدت في فبراير 2023، في العاصمة البريطانية /لندن/، حيث أكد الجانبان خلالها على الشراكة العميقة والوثيقة بينهما، والتي تمكنهما من مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية بشكل مشترك، معربين عن التزامهما بزيادة وتيرة التعاون في مجموعة من الأولويات المشتركة.
وقد تعززت العلاقات بين دولة قطر والمملكة المتحدة من خلال الزيارات المتبادلة بين الدولتين على أعلى المستويات وعلى المستوى الوزاري والوفود المتخصصة، وذلك انطلاقا من حرص قيادتنا الرشيدة على بناء شبكة متينة من العلاقات والروابط الاستراتيجية مع مختلف دول العالم وخاصة القوى الكبرى ومراكز صنع القرار وعواصم الثقل الاقتصادي والتجاري والعلمي، وذلك في سياق خطط واستراتيجيات الدولة ورؤية قطر الوطنية 2030 الهادفة لتحويل دولة قطر إلى دولة متطورة ومزدهرة وفاعلة داخليا وخارجيا ، ومركز عالمي للصناعات القائمة على المعرفة والابتكار، وبناء اقتصاد مستدام قادر على تحقيق معدلات نمو عالية في المستقبل وتوسيع الشراكات القطرية في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والتعليم والصحة والرياضة والأمن.
وفي سياق الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بالعديد من الزيارات للمملكة المتحدة، وكان أحدثها زيارة الدولة التي قام بها سموه حفظه الله إلى لندن في ديسمبر الماضي.
وبمناسبة هذه الزيارة صدر بيان مشترك بين دولة قطر والمملكة المتحدة، أشار إلى استقبال دولة السيد كير ستارمر رئيس الوزراء بالمملكة المتحدة الصديقة، سمو الأمير المفدى، يوم 4 ديسمبر 2024، بمقر رئاسة الحكومة (10 داونينغ ستريت) بالعاصمة البريطانية لندن. وقد أثنى الجانبان خلال المقابلة على قوة الشراكة التاريخية بين دولة قطر والمملكة المتحدة، التي شهدت تطورا كبيرا في العقد الأخير، واتفقا على إطار عمل مستقبلي طموح لمواصلة تعزيز التعاون بينهما ورفع مستوى الطموح وتحديد توجه استراتيجي لعلاقاتهما وأن يبني هذا الإطار على الأولويات المنصوص عليها في الشراكة الديناميكية بين دولة قطر والمملكة المتحدة 2010 وما تلاها من اتفاقيات.
وأوضح البيان المشترك أن الزعيمين اتفقا على تركيز الجهود الثنائية في أربعة مجالات ذات أولوية هي : شراكة أمنية ممتدة عبر الأجيال، وشراكة اقتصادية موسعة تركز على النمو المتبادل والاقتصادات الحديثة المتنوعة، والعمل والقيادة المشتركة بشأن القضايا العالمية، والربط بين الشعبين الصديقين. كما اتفق الطرفان على أن يتم الإشراف على الإطار المستقبلي ومواصلة تطويره من خلال الحوار الاستراتيجي السنوي بين دولة قطر والمملكة المتحدة. وأقر الطرفان أن تستخدم دولة قطر والمملكة المتحدة، الحوار الاستراتيجي لتقييم التجارة والاستثمار والتعاون لمعالجة التحديات العالمية والتقدم المحرز في النمو المتبادل والابتكار التكنولوجي والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر المستدام ومجال علوم الحياة والصناعات الإبداعية والتعاون الثقافي، وكذلك لمتابعة تعاونهما الوثيق وتبادل المعرفة بشأن حل النزاعات، وتقديم نظرة عامة على ذلك.
وقد اسْتَضَافَتِ اللجنةُ الوطنية لمكافحة الإرهاب بمقرها في وزارة الداخلية، يوم الأربعاء الماضي الاجتماعَ الثاني لمجموعة العمل المعنية بمُكافحة الإرهاب بين دولة قطر والمملكة المتحدة، وذلك في إطار تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب.
وفي يناير الماضي، أعلن مركز /إرثنا/ عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، عن شراكة استراتيجية مع مؤسسة /الملك/ الخيرية البريطانية التي أنشأها جلالة الملك تشارلز الثالث ملك المملكة المتحدة، وذلك خلال فعالية رسمية أقيمت في قصر /دومفريز هاوس/ باسكتلندا، بحضور سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر. وتهدف الشراكة بين الجانبين، التي تستمر لمدة عامين، إلى إطلاق أربعة مشروعات تجريبية لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة في الهند وغويانا وسيراليون وتنزانيا، عبر توظيف المعارف التقليدية، وذلك بهدف إبراز قيمة التراث الثقافي في مواجهة التحديات البيئية المعاصرة.
ويرتبط البلدان بعلاقات تجارية واستثمارية مهمة، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليارات ريال قطري في عام 2023، من بينها 6.1 مليار ريال صادرات قطرية إلى المملكة المتحدة، و بلغ حجم الاستثمارات القطرية في الاقتصاد البريطاني 40 مليار جنيه إسترليني، تتوزع -على سبيل المثال- على مطار هيثرو، ومتاجر هارودز، والخطوط الجوية البريطانية، وأنواع مميزة من العلامات التجارية البريطانية الأخرى، وقد خلق هذا الاستثمار الكثير من فرص العمل والابتكار والتنمية الاقتصادية في كلا البلدين، وتعتبر المملكة المتحدة شريكا تجاريا مهم لدولة قطر، وتعد قطر ثالث أكبر سوق للصادرات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويزيد عدد الشركات البريطانية العاملة في دولة قطر على 79 شركة، تعمل في مجال النفط والغاز والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات، بينما بلغ عدد الشركات القطرية - البريطانية برأس مال مشترك والعاملة في دولة قطر أكثر من 650 شركة، وتعمل في مجالات الاستشارات الهندسية والمقاولات وتكنولوجيا المعلومات والتجارة والخدمات.
كما تعتبر قطر أحد الشركاء الرئيسيين لبريطانيا في مجال الطاقة، وتعد محطة ساوث هوك للغاز الاستثمار الاستراتيجي الأضخم بين قطر وبريطانيا في مجال الغاز الطبيعي المسال، والتي أنشئت عام 2009 بالشراكة بين قطر للطاقة بنسبة 70% وشركة إكسون موبيل العالمية بنسبة 30%، حيث تقوم قطر بتأمين نحو 30 بالمئة من احتياجات بريطانيا من الغاز الطبيعي سنويا. ومن المتوقع أن يتعزز التعاون بين الطرفين في هذا المجال مع رغبة الحكومة البريطانية في رفع وارداتها من الغاز في إطار تنويع مصادر التزود لتتراوح بين 70 - 80 بالمئة بين العامين 2030 - 2040.
وتربط البلدين علاقات عسكرية قوية تمتد لعقود طويلة، وازدادت نموا في السنوات الأخيرة، حيث وقعا عدة اتفاقيات تعزز تعاونهما العسكري والدفاعي. ويتمتع البلدان بعلاقات أمنية تاريخية ومتينة، حيث يشكل السربان المشتركان (تايفون وهوك)، وهما أول سربين جويين مشتركين للمملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، جزءا أساسيا من الشراكة الدفاعية القطرية البريطانية.
ويعد التعليم جزءا أساسيا في العلاقات القطرية البريطانية، من حيث الشراكة في الابتعاث بالجامعات والمدارس والشركات المؤسسية، وبريطانيا هي الوجهة الأولى للدراسة للطلبة القطريين في العالم، وهناك أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة قطريين يدرسون في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أن هناك نحو 3300 طالب وطالبة يدرسون في 7 جامعات بريطانية بدولة قطر، وبالإضافة إلى المعهد الثقافي البريطاني، توجد نحو 50 مدرسة بريطانية في قطر، بالإضافة إلى أكثر من 100 مدرسة تطبق المنهج البريطاني.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
0 تعليق