بعد أكثر من عام ونصف من الحرب على غزة، بدأت تتسلل ظاهرة غير مسبوقة من الرفض العسكري في إسرائيل، حيث يتمرد العديد من الجنود والمواطنين على الخدمة العسكرية، ما يهدد تماسك جيش الاحتلال ومستقبله.
هذه الظاهرة، التي ظهرت في شوارع إسرائيل وساحات الحرب، أصبحت أكثر وضوحًا على مواقع التواصل الاجتماعي وغرف القيادة، ويصعب إخفاؤها بعد تقرير لمجلة “+972” الإسرائيلية.
تفكك الإجماع العسكري
قبل اندلاع حرب غزة، ظهرت قضية “رفض الخدمة” ضمن الاحتجاجات الجماهيرية ضد مشروع الإصلاح القضائي الذي تبنته حكومة نتنياهو، ففي يوليو 2023، أعلن أكثر من ألف طيار وجندي في سلاح الجو الإسرائيلي نيتهم التوقف عن أداء واجبهم إذا لم يتم تجميد التشريع المثير للجدل.
هذه الخطوة استدعت تحذيرات علنية من قادة الجيش وجهاز “الشاباك” حول تهديد مباشر للأمن القومي الإسرائيلي.
ومع اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، كانت الوحدة الوطنية قد أعادت الجنود المترددين إلى صفوفهم، غير أن هذا التلاحم تآكل مع مرور الوقت، خاصة بعد خرق الحكومة للاتفاقات المتعلقة بوقف إطلاق النار.
أرقام غير معلنة
بدأت تظهر إشارات على الأزمة المتفاقمة في أعداد الجنود الاحتياطيين، على الرغم من التعتيم الإعلامي الرسمي.
وفقًا لتسريبات إعلامية، تراجعت نسبة الاستدعاء الفعلي لقوات الاحتياط إلى حوالي 60%، مع بعض التقارير التي تحدثت عن نسبة حضور لا تتجاوز 50%.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 ألف جندي احتياطي امتنعوا عن الخدمة منذ بداية الحرب، ما يهدد بشلل جزئي في قدرة الجيش على مواصلة العمليات القتالية، وهو ما يعكس أزمة كبيرة في المعنويات والإلتزام العسكري.
رفض في ظل ظروف صعبة
اللافت أن غالبية الرافضين لا ينتمون بالضرورة إلى تيار أيديولوجي معين، جزء كبير منهم من “الرافضين الرماديين” الذين يشعرون بالإحباط والإرهاق بسبب طول أمد الحرب. بالمقابل، تشير منظمات مثل “يش جفول” و”نيو بروفايل” إلى أن مئات من الرافضين الجدد يحملون دوافع أيديولوجية خالصة.
وفيما يتعلق بالعقوبات، فقد اكتفى الجيش بمعاقبة حالة واحدة فقط بالسجن لمدة أسبوعين، تجنبًا لتفاقم أزمة الشرعية.
تأثير التضامن الوطني على الجيش
يعتقد الناشط توم ميهجر، الذي كان من أوائل الرافضين خلال الانتفاضة الثانية، أن “التضامن الوطني في إسرائيل” الذي اندلع في أعقاب هجوم أكتوبر قد انهار الآن، مشيرًا إلى أن الرفض أصبح يشكل “خطوطًا حمراء” أمام النظام. حملة “جنود من أجل المحتجزين”، التي يقودها الجندي السابق يوفال غرين، جمعت توقيع أكثر من 220 جنديًا احتياطيًا يرفضون الحرب، مما يعكس اتساع رقعة الرفض العسكري في البلاد.
أزمة الشرعية وظهور تصدعات غير مسبوقة
تعتبر عالمة الاجتماع الإسرائيلية يائيل بيردا أن أزمة الرفض تكشف عن تصدع غير مسبوق في شرعية النظام السياسي والعسكري الإسرائيلي.
هذه الأزمة نابعة من عدة دوافع، أبرزها ما شاهدوه الجنود على الأرض في غزة، وفقدانهم الثقة بالقيادة الإسرائيلية، إضافة إلى ردود الفعل على الخطاب الديني القومي المتطرف.
الاختبار الأكبر لإسرائيل
تكشف أزمة الرفض العسكري أن إسرائيل تواجه اختبارًا غير مسبوق لبنيتها الاجتماعية والعسكرية. فمن تراجع الالتزام بالخدمة العسكرية، إلى فقدان الثقة بالحكومة، وصولًا إلى أزمة الهوية الوطنية، تتراكم مؤشرات تشير إلى تغييرات جذرية قد تؤثر على طبيعة دولة الاحتلال وعلاقتها مع مواطنيها في المستقبل القريب.
0 تعليق