الألفة تتحول إلى خطر خفي في المجتمع السعودي

هل نحن أحرار في اختياراتنا أم ضحايا للتأثيرات المحيطة؟
في عالم مليء بالمؤثرات، أصبح التفكير المستقل تحديًا يوميًا، حيث تتداخل الأصوات وتتغير القناعات لتصبح وكأنها حقائق ثابتة. يعتقد الكثيرون أنهم أحرار في آرائهم، لكن الحقيقة أن العديد من هذه الآراء ليست ناتجة عن اختيارات واعية، بل هي نتاج تأثيرات تسللت إلى عقولنا دون أن نشعر.
تتساءل: كم من فكرة اعتنقتها لمجرد تكرارها؟ وكم من مبدأ تخلّيت عنه لأنه لم يعد رائجًا؟ غالبًا ما تبدو الأمور طبيعية لأنها أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، لكن البشر بطبيعتهم يتأثرون بما يحيط بهم، سواء كان من خلال الكتب أو الهواتف المحمولة أو الأفلام أو حتى التصرفات العابرة. ومع ذلك، فإن المؤثرات في عصرنا الحالي أصبحت أكثر خفاءً وأشد تأثيرًا، حيث تتسلل إلى وعينا بهدوء وتحدث تغييرات لا نلاحظها، لكنها تؤثر على نظرتنا للحياة مع مرور الوقت.
المشكلة لا تكمن في التأثر بحد ذاته، بل في غياب الوعي بهذا التأثير. هنا يظهر مفهوم “مبدأ الألفة”، حيث تتكرر الأفكار والسلوكيات حتى تصبح مألوفة للنفس، حتى وإن كانت خاطئة في جوهرها. هذه الألفة قد تكون خطيرة، لأنها تكرّس الزيف حتى يبدو طبيعيًا. على سبيل المثال، عندما ينتشر وباء ويصاب به معظم الناس، قد يتوقف البعض عن اتخاذ الاحتياطات ليس لأن الخطر زال، بل لأنه أصبح مألوفًا.
ومع تزايد معارضة آرائنا، نميل -دون وعي- إلى قبول ما كنا نرفضه فقط لأننا اعتدنا عليه. هذا النمط من التفكير يمكن أن يؤدي إلى تشكيل شخصية مهزوزة تتبنى ما لا يتناسب معها، وترفض ما لم تفكر فيه أصلًا. وهكذا، يفقد الإنسان بوصلته تدريجيًا، وينصهر في محيطه، متأثرًا بتغيرات الآخرين، ليعيش حياة لا تعكس حقيقته.
رغم أننا لسنا محصنين من التغيير، إلا أننا مسؤولون عن وعي هذا التغيير. في زمن يُغلف فيه الزيف بالمألوف، ويُروَّج للباطل حتى يبدو حقًا، يبقى الأمل في من يمتلك الوعي ويستند إلى بصيرته.