صدر الأسبوع الجاري مرسوم أميري بتشكيل مجلس مفوضي هيئة أسواق المال لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة، ليطوي ملفاً منتظراً منذ 32 شهراً، أي منذ انتهاء فترة مجلس المفوضين السابق في شهر سبتمبر 2022.
ومع تجاوز الأثر، الذي فرضه التأخير في تعيين مجلس المفوضين على أعمال هيئة أسواق المال، بل أيضاً تجاوز عدم تنوع تشكيل مجلس المفوضين، الذي غلبت عليه الطبيعة الاستثمارية، مع غياب كامل للتمثيل القانوني أو الأكاديمي، الذي كان دائماً ممثلاً في أي مجلس سابق لمفوضي الهيئة منذ تأسيسها، فالعبرة اليوم فيما يمكن أن تنجزه «أسواق المال» على صعد عدة، أبرزها تطوير منظومة السوق المالي، وترقيته عالمياً، وحماية صغار المساهمين، وحوكمة الإدراجات والانسحابات من البورصة، علاوة على تطوير الأدوات الاستثمارية وتنويع المشغلين.
من المهم المحافظة على آليات معاقبة وردع المتلاعبين والممارسات المشبوهة في البورصة بل وتطويرها
أفضل لا أمثل
ومن المفيد القول، إن هيئة أسواق المال، رغم أنها ليست النموذج الأمثل، لكنها عند مقارنتها ببقية الهيئات ذات الطبيعة الاقتصادية الحكومية، التي تأسست منذ 15 سنة ماضية، تعد الأفضل في إنجاز ملفاتها، فليس من العدل مقاربة أعمال هيئة الأسواق، التي أتمت عمليات ترقية سوق الكويت إلى مصاف الأسواق الناشئة على مؤشرات دولية مهمة مثل «مورغان ستانلي» و«فوتسي راسل»، وحولت البورصة من القطاع العام إلى الخاص، إضافة إلى وضع آليات لعقاب وتغريم شرائح واسعة من المتلاعبين مع أعمال هيئات فشلت في تحقيق حتى الحد الأدنى من الأغراض التي تأسست لتحقيقها، مثل صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو الجهاز الفني لمشاريع التخصيص، أو هيئة حماية المنافسة، أو هيئة تشجيع الاستثمار المباشر.
تطوير ورقابة
وفي الحقيقة، فإن أمام مجلس المفوضين الجديد مهام تطويرية وأخرى رقابية تحتاج إلى قدر من المبادرة في توسيع آفاق السوق ومهنيته، إلى جانب الجدية في ملفات معالجة لا تزال عالقة، وقد يكون على رأس المبادرات المنتظرة هو العمل على تأسيس شركة ثانية للبورصة تنافس الحالية، ليس لفشلها، بل لتوسيع آفاق المنافسة في السوق، بما ينعكس على الخدمات وكفاءة الأعمال، فضلاً عن إمكانية تأسيس بورصات أخرى ذات أغراض خاصة في قطاعات كالتكنولوجيا أو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أو العقار أو أنظمة الاستثمار الجماعي والصناديق أو أسواق السندات والصكوك، أما ما يستحق المعالجة فهو ما يتعلق بتفعيل العديد من الأدوات الاستثمارية شبه الغائبة عن بورصة الكويت منذ إلغاء خدمة «الأجل» منذ العام 2017 مثل إقراض واقتراض الأسهم والبيع على المكشوف، وغيرهما، وهي أدوات تنوع خيارات المستثمرين.
لا بد من حوكمة عمليات الإدراج خصوصاً بالسوق الأول وضبط قواعد الانسحاب من البورصة أو تصفية الشركات
صغار المساهمين
كذلك من مسؤولية مجلس المفوضين الجديد العمل على حماية حقوق صغار المساهمين عندما يتعلق الأمر بقضايا أساسية كشمولهم في عمليات الاستحواذ الإلزامي بالتوازي مع أدوار أساسية لجهات أخرى، كبنك الكويت المركزي وهيئة حماية المنافسة، كي لا يحصل مساهم من كبار الملّاك على سعر أفضل مما حصل عليه عشرات أو ربما مئات الآلاف من المساهمين، فضلاً عن ضرورة حوكمة وشفافية عمليات الإدراج في البورصة أو الانسحاب منها، فمن المهم أن تكون بعيدة عن شبهات تعارض المصالح أو التهاون في بعض الشروط للإدراج في السوق الأول كوسيلة لجذب شركات لا تستحق أن تكون في هذا السوق، الذي يضم الشركات القيادية المهمة في البورصة، إذ أدرجت شركات مكانها الطبيعي هو السوق الرئيسي لا الأول، مع التأكيد على أهمية الإدراجات الجديدة من حيث الكم العددي أو التنوع القطاعي مع ضرورة الاستفادة من كفاءة تجارب أسواق السعودية والإمارات في مجال جذب الشركات التشغيلية المساهمة والعائلية.
ولعله من اللافت أن تلجأ شركات كويتية مثل «أمريكانا» و«طلبات» و«أجيليتي غلوبل»، وقريباً «أبيات» إلى الإدراج في أسواق خليجية، وتحديداً الإمارات والسعودية دون بورصة الكويت، مما يزيد من التساؤلات حول كفاءة السوق الكويتي في جذب الشركات لمنصته.
ضوابط الانسحاب
ومن المهم أن يواكب تطوير عملية الإدراج ضبط قواعد الانسحاب من البورصة أو تصفية الشركات المدرجة لحماية حقوق جميع المساهمين، من خلال مجموعة من الإجراءات كإتاحة الفرصة لأي مساهم في الشركة لتقديم احتجاج على الانسحاب من البورصة، ولو كان يمتلك سهماً واحداً فقط، طالما توافرت لديه أدلة عن وقوع الإجحاف أو الإضرار بمصالح الشركة أو الأقلية فيها، ناهيك عن وضع ضوابط للانسحاب من البورصة، كأن تصبح مسألة الانسحاب من السوق الأول غير مباشرة، إنما بالانتقال لمدة عام إلى السوق الرئيسي، كذلك تعطي الشركة التي تنوي الانسحاب من السوق الرئيسي مهلة لمدة عام، على أن تتعهد الشركة المنسحبة بالإدراج في منصة otc لتمكين المساهمين الأفراد من بيع أسهمهم والتصرف فيها من دون عوائق، فضلاً عن إلزام الشركة الراغبة بالانسحاب بإصدار بيان مفصل عن أوضاعها المالية والإدارية والاستراتيجية، خصوصاً إذا كانت الشركة غير معرّضة لخسائر كبيرة مقارنة برأسمالها، وبيان آراء جهات استشارية معتمدة لدى الهيئة في شأن هذه الأوضاع.
الاستحواذ الإلزامي يضمن ألا يحصل مساهم واحد على سعر أفضل مما حصل عليه عشرات أو ربما مئات الآلاف من المساهمين
تلاعب وتحليل وتشاور
بالطبع من المهم أن يحافظ مجلس المفوضين الجديد على الآليات الخاصة بمعاقبة وردع المتلاعبين والممارسات المشبوهة في البورصة، بل ويطورها، وأن يشجع المحللين على الانتقال من التحليل الشخصي للأسهم والأسواق إلى التحليل المرخص من الهيئة نفسها، ويبتكر الآليات التي تقلل من أيام العطل الطويلة المتصلة مع التأكيد دائماً على أهمية التعاون والتشاور مع كل مكونات السوق من بورصة ومقاصة وووسطاء وشركات ناهيك عن المتداولين.
لا شك أن السوق المالي يعد وعاءً للتمويل والاستثمار وحتى الادخار للدولة والقطاع الخاص، ناهيك عن مئات الآلاف من الأفراد، وجلّهم من متوسطي الدخل وأصحاب المدخرات، وبالتالي فإن تطويره وحوكمته ينعكسان إيجاباً على الاقتصاد ومكوناته.
0 تعليق