ركز «الشال» في تقريره على توق الكويت إلى مرور صيف بدون قطع مبرمج للتيار الكهربائي، وأنه جاء في صدر جريدة «القبس» خبر طيب، نصه «حل أزمة الكهرباء خلال 6 أسابيع»، ما هو غير طيب في الخبر هو أن تاريخ نشره كان السابع من يوليو من عام 1980، أي قبل 45 سنة، والقطع المبرمج مازال يتصدر العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام منذ ذلك التاريخ، والكويت في بداية صيف 2025.
في التفاصيل، أن «الكهرباء» ليست موضوعنا اليوم، ولا رداءة البنى التحتية، والطرق مثال لها، ولا حتى التعليم المتخلف في شقيه العام والعالي، ولا عجز الخدمات الصحية، فكلها وغيرها مجرد ظواهر لما لا يمكن إخفاؤه من نتاج عجز الإدارة العامة، موضوعنا هو ما يحمله المستقبل من اختناقات يعجز المواطن العادي عن تلمس ظواهر لها حتى تصل إلى مرحلة يتعذر معها مواجهتها.
ولا يمكن حل أزمة الكهرباء لأنها ظاهرة لمرض أكبر وهو نتاج نموذج نمو غير مستدام، فالضغوط على الاستهلاك سوف تتزايد مع تبني سياسة توسع إسكاني أفقي، وغياب نظام الشرائح في التسعير، وغياب الاستثمار الجاد في مشروعات الطاقة البديلة وغيرها، وسوف تتكرر وعود الحل خلال 6 أسابيع في المستقبل، وبعد عمر طويل.
والاستهلاك بالأرقام زاد من نحو 57 تيراواط/ ساعة في عام 2010 إلى نحو 91 تيراواط/ ساعة في عام 2023، أو بمعدل نمو سنوي مركب بنحو 3.3%، بينما حقق الاقتصاد نمواً مركباً لنفس الفترة بحدود 2.7%، ومنذ عام 2017 كان معدل نموه السنوي سالب، وزاد الاستهلاك بنحو 4% إضافية في عام 2024، ووتيرة نمو الاستهلاك لن تتغير في عام 2025 وما بعده، وهي وتيرة غير مستدامة.
ولن تعالج أزمة التعليم لأنها ظاهرة مرضية لسوق عمل صوري غير مستدام، فالقطاع العام يوظف، أو ملتزم بتوظيف، نحو 86% من العمالة المواطنة، والتخصص لا علاقة له بحاجة السوق، ولا المستوى التعليمي يجعل الخريج ينافس على فرص العمل خارج القطاع العام، فالنموذج التنموي للبلد ومعه نظام التعليم، عاجزان عن خلق فرص عمل مواطنة حقيقية.
وأسوة بالتعليم، الكويت واحدة من أعلى دول العالم صرفاً على الخدمات الصحية، ورغم كرم العلاج السياحي بالخارج، ونظام تأمين عافية الذي تم إلغاؤه، ومستشفيات الضمان الصحي، ما زالت إدارتها عاجزة عن منافسة مستوى خدمات دول تنفق أقل بكثير منها.
ولن تعالج أزمة التركيبة السكانية بضغوطها على الخدمات الأخرى، ومنها الكهرباء، والطرق والخدمات الصحية والمالية العامة، لأن نموذج النمو الحالي يغذي توسعة تلك الاختلالات.
والتركيز على ظواهر الأمراض والعجز عن الوعي بالمرض الذي يسببها هي أزمة الإدارة العامة في الكويت، فالأمراض الحقيقية هي اختلالات الكويت الهيكلية الأربعة، وهي، عدم استدامة الاقتصاد بتركيبته الحالية، أو قطاع عام منخفض الإنتاجية عالي التكلفة، وقطاع خاص في معظمه يتغذى على إنفاق عام غير مستدام، وهو نموذج يتسبب في استفحال أمراض ميزان العمالة المواطنة، ويتطلب تركيبة سكانية منحرفة كماً ومنخفضة الكفاءة.
وبينما الكهرباء والخدمات والبنى التحتية الأخرى قضايا يسهل تلمس مؤشرات فشلها، لأن الناس تعايش تبعاتها اليومية، يستعصي على المراقب غير المختص معرفة جسامة وخطورة الاختلالات الهيكلية المذكورة حتى تصبح تداعياتها خارج القدرة على المواجهة، وإن كان لأزمة الكهرباء المتصلة نفع، فهو احتمال الوعي بأنها استمرت 45 سنة لأن المرض الحقيقي هو نهج تنمية عام بائس، وأزمتها المتصلة ليست سوى إفراز أو مؤشر له.
0 تعليق