- بخاري: المملكة حريصة على أن يكون لبنان آمناً ومستقراً وموحّداً تحت سقف الدولة ومؤسّساتها الشرعيّة انطلاقاً من اتفاق الطائف
تَبَلْوَرَ أمس أكثر فأكثر «صراعُ الأولوياتِ» تحت عنوان «مَن يسبق مَن»: «تسليم» اسرائيل التلال الخمس التي تحتلّها في الجنوب والأسرى اللبنانيين، أو تسليم «حزب الله» سلاحه، وسط أسئلة حول هل بإمكان الولايات المتحدة «تنظيمَ» هذا الكباش، الذي تتمتّع تل أبيب باليد العليا فيه نظراً لقدرتها على إدارته بما يَخدم أهدافَها العميقةَ، وتحديد «نقطةِ وصولٍ» له عبر «ضماناتٍ» تقدّمها الإدارة الأميركية على قاعدة تَلازُمٍ أو تَوازٍ ما، وإلا ارتفعتْ بقوة احتمالاتُ سيناريو «آخِر الدواء الكيّ» في ما خص مسألة السلاح في كل الأراضي اللبنانية والتي باتت فعلياً «الثمنَ» لتنفيذ الجانب الاسرائيلي الشقَّ المتعلّق به من اتفاقِ وقف النار (27 نوفمبر) بعدما كان الأمرُ مرتبطاً عند إعلانه بالوجود والبنية العسكرية للحزب «بدءاً من جنوب الليطاني».
وعلى وقع محاولة لبنان الرسمي تَلَمُّس طريقٍ لمعالجة ملف سلاح «حزب الله» بما يُوازِن بين الإصرار الدولي والأميركي خصوصاً على سَحْبه «دفعةً واحدةً» وضمن مهلةٍ زمنيةٍ واضحة وقريبة، أياً يكن الإطار الناظم الذي تختاره بيروت لتحقيق «الهدف الذي لا حياد عنه»، وبين ألا يشكّل السلاح الذي تسبّب وجوده في زجّ البلاد بحرب مدمرة مع اسرائيل صاعقاً لتفجير حرب أهلية في سياق عملية سحبه، ارتسم مقاربة اسرائيل لهذا العنوان عبر موقفين:
- الأول ما نقلته مجلة «إيبوك» الإسرائيلية عن مصادر حكومية من ان تل ابيب «مصرة على نزع سلاح حزب الله بالكامل ولن تتراجع عن هذا المطلب».
- والثاني ما نقلتْه قناة «سكاي نيوز عربيّة» عن مصدر أمني إسرائيلي من «أنّنا لن نبقى إلى الأبد في لبنان ولا أطماع لدينا هناك، وسننسحب منه عندما نرى الدولة اللبنانية تفرض سيادتها على كلّ أراضيها، وعندما لا نرى أي قوة عسكريّة في لبنان غير قوة الدولة».
ولفت إلى أنّ «الجيش اللبناني جدّي في مهمّته لبسط سيطرة الدّولة، لكنّه يستطيع القيام بأكثر ممّا يقوم به الآن»، ومتحدثاً عن «محاولاتٍ نرصدها من الحزب لإعادة بناء قدراته حتى في جنوب لبنان، ولإقامة نقاط مراقبة في قرى جنوبيّة، وعندما لا يتحرّك الجيش اللّبناني ضدّها نتحرّك نحن، كما أننا نرصد أيضاً محاولات تهريب سلاح للحزب، وقد أحبطنا غالبيتها».
«موقف واحد للحزب»!
وجاءت هذه المواقف في الوقت الذي حدّد «حزب الله» بلسان نائبه حسن فضل الله، مساراً مناقضاً اعتبره تعبيراً عن «موقف واحد للحزب» يرْبط بين ملف السلاح وحوارٍ حول «الاستراتيجية الدفاعية»، على قاعدة أن «الأولوية اليوم هي لوقف الاعتداءات وتحرير الأرض وجاهزون لأي حوارٍ حول استراتيجية دفاعية يتم التوافق عليها بين الحرصاء على مستقبل بلدهم والعمل على استجماع عناصر القوَّة والاستفادة منها في اطارها»، مؤكداً «أن تواصلنا قائم ومستمر مع رئيس الجمهورية (العماد جوزف عون)، وعندما يحدّد شكلَ الحوار وطريقته نشارك كما شاركنا في كل الحوارات السابقة وقدّمنا (حينها) وجهة نظرنا المبنية على التجربة وعلى تشخيص المصلحة الوطنية».
وإذ حَمَلَتْ مواقف فضل الله رداً ضمنياً على كلام رئيس الحكومة نواف سلام، أول من أمس، عن اقتراب إدراج موضوع بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحصر السلاح بيدها على جدول أعمال مجلس الوزراء، بتأكيد نائب حزب الله «أن أولوية وقف الاعتداءات الاسرائيلية وتحرير الأرض يجب أن تكون بنداً دائماً على جدول أعمال الحكومة»، فإنّ الحزب وبالتوازي نفى ضِمْناً ما كان نُقل عن مسؤول فيه من أنه «مستعدّ لمناقشة مستقبل سلاحه مع الرئيس جوزف عون وفي سياق استراتيجية دفاع وطني إذا انسحبتْ إسرائيل من جنوب لبنان وتوقّفت عن قصف البلاد»، وعن مصدرين مطلعين من «أن الحزب يدرس فكرة تسليم أسلحته الثقيلة شمال الليطاني، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للدبابات، إلى الجيش».
وقد أصدرت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» بياناً، ذكرت فيه «تداول بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة وبشكل لافت جداً، أخباراً ومعلومات منسوبة إلى مصادر في الحزب أو إلى مسؤولين فيه، إنّ تلك الادعاءات هي عارية من الصحة جملة وتفصيلاً، ومواقف حزب الله تصدر حصراً عبر البيانات الرسمية الصادرة عن العلاقات الإعلامية أو عبر تصريحات مسؤوليه في المواقع الرسمية والحزبية».
موقف متقدّم لعون
في موازاة ذلك، برز موقف متقدّم لعون في ما خص السلاح، أكد فيه أمام زواره أن «الحزبَ أبدى الكثير من الليونة والمرونة في مسألة التعاون وفق خطة زمنية معينة»، مبدياً تفاؤله «بأن الإيجابية لدى الحزب يجب مقابلتها بإيجابية ايضاً وبتفهُّم للواقع الجديد الذي يعيشه البلد».
وأشاد في الوقت نفسه بالتعاون المطلق مع سلام «والتناغم والتفاعل الكبير في موضوع التعيينات والقوانين والمراسيم التي ستَصدر في اطار من الشراكة التي لم نشهد لها مثيلاً في السابق».
وأتى موقف عون وسط إشاراتٍ متزايدة كانت لاحتْ إلى قرب بدئه حواراً مباشراً، بات رئيس البرلمان نبيه بري في جوّه، مع «حزب الله» حول مسألة سلاحه، وسط تقديراتٍ بأن لبنان الرسمي الذي ألزم نفسه علناً وضمنياً ببتّ هذه المسألة، تحت عنوان حصْر السلاح بيد الدولة وبسط سيطرتها على كامل أراضيها وامتلاكِ قرار الحرب والسلم، يَعتبر أنه وَضَعَ هذا الملف على السكة مُعْلِياً طابعه «المُلِحّ» والحاجة لمعالجته «بسرعةٍ» تُراعي الإلحاحَ الدولي وحساسية الوضع اللبناني، وأن استمرارَ اسرائيل باحتلالها التلال الخمس وعدم تسليم الأسرى يعقّد إطلاق مسارِ المعالجة «على البارد»، وأن من شأن مساعدة الولايات المتحدة على حضّ تل ابيب على تنفيذ ما كان يتعيّن أن تقوم به مع انتهاء مهلة الستين يوماً الانتقالية من اتفاق وقف النار أن يسرّع الخطواتِ لإنجاز المَهمة، من ضمن «خريطة طريق» غير معلَنة من أولوياتٍ تناقض حتى الساعة الاولويات الاسرائيلية.
ويسود رهان ضمني على أن تشكل واشنطن الوسيط القادر، عبر مورغان أورتاغوس ودبلوماسيتها المكوكية، على المزاوجة بين أولويتيْ اسرائيل ولبنان، ما دام الهدف متَّفَقاً عليه، وخصوصاً أنها يمكن أن تكون «الضامنة» لأي تفاهُم يقوم على نوع من التوازي ربما - مع لحْظٍ لمسألة النقاط البرية المتنازَع عليها وإمكان بحْثها من لجنة تقنية - بين تسليم الأرض والأسرى وتسليم السلاح، تَفادياً للانزلاق مجدداً إلى حربِ موسَّعة وتفويت الفرصة أمام زجّ البلاد في صراع داخلي من شأنه إحباط عملية الإصلاح والنهوض التي يحاول العهد الجديد إرساءها.
حرص سعودي
ولم يكن عابراً أمس تأكيد السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، خلال لقائه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، لتهنئته بعيد الفطر والتّباحث معه بالشؤون اللبنانية، أنّ «السعودية حريصة على أن يكون لبنان آمناً ومستقراً وموحّداً تحت سقف الدولة ومؤسّساتها الشرعيّة، انطلاقاً من اتفاق الطائف»، مشدّداً على أنّ «قوّة لبنان في وحدته الوطنيّة وتعاونه مع أشقّائه العرب وأصدقائه»، بحسب بيان المكتب الإعلامي في دار الفتوى.
من جهته، اعتبر دريان أن «السّعوديّة هي في طليعة الدول التي تساند لبنان وشعبه في شتّى المجالات، وهي صمّام أمان للدول العربيّة كافّة من دون استثناء، ومنها لبنان».
وكان بخاري التقى وزير الخارجية يوسف رجّي ونقل إليه «دعم المملكة الكامل لمسيرة الاصلاح في لبنان التي يقودها رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والحكومة».
من جهته، أكد رجي «التزام الحكومة بكامل أعضائها بتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة، وحصر السلاح بيد الدولة، لوضع لبنان على سكة التعافي والنهوض».
كما عبّر عن «امتنانه لدعم المملكة وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، للبنان وشعبه».
وأكد «أن عودة العلاقات بين البلدين الى سابق عهدها وضَع لبنان مجدداً في مكانه الطبيعي بين أشقائه العرب».
0 تعليق