تأخذ رواية واسيني الأعرج الأخيرة «حيزيا» الصادرة عن دار الاداب عام 2024، ثلاثة مسارات زمنية، لتتجه جميعها نحو الحكاية الشعبية الأشهر في الجزائر، حكاية الفتاة «حيزية» العاشقة التي قتلها الحب أو قتلتها القبيلة، لتتناقل الأجيال حكايتها منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وبالتحديد منذ عام 1878 حين رحلت حيزيه الفتاة البدوية فائقة الجمال لتبقى الحكاية تُروى من جيل الى جيل حتى تصل الى واسيني الأعرج، والذي هو في هذه الرواية خالد، يأتي بعد ما يقرب من مائة عام من وفاة حيزية، ويشكل خالد أحد العشاق الثلاثة لحيزية بعد ابن عمها، وحبيبها سعيد، وبعد معلمها الشاعر محمد بن قيضون، وصاحب المرثية التي ظلت مخطوطة سرية حتى عُثر على صورة ضوئية لها، يضمنها واسيني في روايته، كما يضمن لوحات فنية يعتقد البعض انها لحيزية، بينما يفند الكاتب تلك الروايات، كما يشكك في قوة قصة الحب بين حيزيا، وسعيد، وينحاز الى حب حيزيا لمعلمها.
حكاية جزائرية مروية
حيزية، حكاية جزائرية مروية منذ منتصف القرن التاسع عشر، يتناقلها الرواة ويتغنى بها المغنون عبر صحراء الجزائر ومدنها، بعضهم يأتي ببعض أبيات قصيدة الرثاء الشهيرة، والبعض الآخر تمتع بالشجاعة ليغني كامل القصيدة، لكن كامل الحكاية ظل يراود كثيرين، وكامل الحقيقة يراوغ من يبحث عنها، أو عن ذهب الفتاة حيزية، فلا تقدم الحقيقة نفسها لأحد، حكاية عاشت كالاسطورة لقرن، ونصف قرن من الزمان، عُرف أبطالها، ومكان معيشتهم، وأسماؤهم الحقيقية التي نقشت على قبورهم، وما تزال هناك، فزارها الروائي الجزائري واسيني الأعرج، كاد أن ينبش القبر تلو القبر ليعرف لماذا ماتت العروس حيزية، أو لماذا قُتلت ؟ التقط صوراً فوتوغرافية للقبور، فتش عن قبر والد حيزية فوجده، ثم فتش عن قبر أم حيزية، فوجد قبراً كُتب عليه قبر أم حيزية، ولم يجد اسمها الذي كان يبحث عنه، دار يبن الأغاني، والألحان التي تحدثت عن حيزية، ورثتها كما رثاها معلمها الشاعر محمد بن قيطون (1847-1907 ) في أشهر مرثية في التراث الجزائري.
الأسطورة
الكاتب لا يقدم الإجابات عن الأسئلة المطروحة حول الحكاية الأسطورة، ولأن جمال الأدب في رمزيته، يترك الكاتب رمزية الحلم، والكابوس، كما الأسطورة والواقع، يتركها للقارئ الحريص على تحري الإجابات، فهنا شيء من تاريخ القبائل الجزائرية، فقبيلة الذواودة، التي تنتمي إليها حيزية بنت أحمد بلباي، قبيلة لها من الأعراف والتقاليد المتعارف عليها عند القبائل العربية، تتقاتل الذواودة على السلطة – كما الحال بين القبائل دوماً – نزاع بين الذواودة وآل بن قانه على مشيخة العرب التي سنها العثمانيون، فانتمى لها الذواودة وهم من أدار المشيخة، قبل أن يرفضها آل بن قانه، ويبدأ النزاع القبلي في فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، والتي نُزعت خلالها المشيخة، وعوضت بالإدارة، لكن النزاع القبلي يستمر، فتصير هنا حيزية ثمناً لنهاية النزاع، بالمصاهرة بين القبيلتين، وهي التي ترفض ذلك، تموت حيزية بالطريقة التي اختارها لها واسيني الأعرج، تموت في ليلة من ليالي أفراح القبيلتين بالمصاهرة، ونهاية النزاع، تموت وهي ترتدي أحلى الثياب، وأحلى قطع المجوهرات الذهبية، مريضة أو مسمومة، لكنها تموت، ولا تموت، لتبقى عبر المرثية الشهيرة حية في التراث الجزائري حتى اليوم، فيحييها واسيني الأعرج في شكل روائي ممتع، مع إبقاء حقائق النزاع القبلي، وأسماء القبائل كما هي، لنتعلم شيئاً من تاريخ الجزائر وشيئاً من التراث الجزائري.
0 تعليق