السياسة الأمريكية تجاه الصين.. مواجهة بين التوجهات الشخصية والمصالح الاستراتيجية

الفيروز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في أروقة السلطة الأمريكية، لم تكن المواجهة مع الصين مجرد صراع اقتصادي أو تنافس تكنولوجي، بل كانت تحوّلًا عميقًا في السياسة الخارجية الأمريكية يعكس التوترات والصراعات الداخلية بين النخب السياسية في واشنطن. منذ بداية فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان من الواضح أن السياسة الأمريكية تجاه الصين لن تكون محكومة برؤية استراتيجية موحدة أو خطة مدروسة، بل كانت أكثر انعكاسًا لمزاج الرئيس الشخصي وما يراه مناسبًا في لحظات معينة.

في المئة يوم الأولى من حكم ترامب، كانت السياسات المتبعة تجاه الصين تتسم بالتقلب المستمر، حيث لم تكن الكلمة العليا في تحديد المواقف تجاه بكين لخبراء السياسة التقليديين أو صقور السياسة الخارجية، بل لأولئك الذين تبنوا فكرة “أمريكا أولًا”، وهو الشعار الذي وضعه ترامب على رأس أولوياته السياسية. هذه الفكرة، رغم أنها لاقت دعمًا واسعًا من بعض قطاعات المجتمع الأمريكي، إلا أنها أدت إلى تغييرات حادة في الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع قضايا عالمية، بما في ذلك العلاقات مع الصين.

ومع تنامي النفوذ الصيني على الساحة الدولية، تراجع دور الخبراء المخضرمين الذين كانوا يهيمنون على السياسة الخارجية في العقود الماضية، وبدأت السياسة الأمريكية تجاه بكين تتشكل بشكل أكثر انعزاليًا وغير منسق. في هذا السياق، انقسم مستشارو ترامب إلى ثلاث مجموعات رئيسية. الأولى كانت تدعو إلى ضرورة أن تظل الولايات المتحدة القوة المهيمنة في العالم، مع تركيز شديد على تعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية. الثانية كانت ترى أن الصين هي التهديد الأكبر للأمن القومي الأمريكي، وبالتالي يجب التركيز على احتوائها بكل الوسائل، سواء عبر فرض العقوبات أو تغيير موازين القوة الاقتصادية. أما الثالثة فكانت تدعو إلى سياسات انعزالية، حيث رأت أنه يجب على الولايات المتحدة التركيز على قضاياها الداخلية بدلًا من الانخراط في نزاعات دولية مع الصين أو غيرها.

قبل أن يتخذ ترامب خطوة فرض الرسوم الجمركية على الصين، كانت سياسة إدارته تجاه بكين غامضة وغير مستقرة. هذه الفوضى في صنع القرار السياسي جعلت المواقف الأمريكية تجاه الصين تتغير باستمرار، حيث كانت تتأثر بشكل كبير بمزاج الرئيس، مما دفع العديد من المحللين إلى التشكيك في جدوى هذه السياسات على المدى البعيد. الرسوم الجمركية، التي كانت بمثابة قنبلة دبلوماسية في العلاقات بين البلدين، أضافت مزيدًا من التوتر، مما أثار فوضى أكبر في طريقة إدارة الملف الصيني داخل البيت الأبيض.

ومع تطور الأزمة التجارية والسياسية مع الصين، بدأ تأثير “صقور الصين”، أو أولئك الذين كانوا يدعون إلى اتباع سياسات أكثر تشددًا ضد بكين، في التراجع بشكل ملحوظ. هؤلاء الذين كانوا يفضلون اتخاذ مواقف قوية ومتشددة ضد الصين بدأوا يفقدون نفوذهم داخل إدارة ترامب، لتتزايد هيمنة الشخصيات المقربة من الرئيس، الذين يميلون إلى اتخاذ قرارات سريعة وعاطفية، غير مبنية على خطط استراتيجية طويلة الأمد.

من جهة أخرى، أظهرت هذه التطورات أن السياسة الأمريكية تجاه الصين لم تكن تتبع نهجًا استراتيجيًا موحدًا، بل كانت نتاجًا لصراع داخلي بين مختلف التيارات السياسية في واشنطن. تارة كانت هناك دعوات للهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية، وتارة أخرى كان هناك تخوف من الصين كخصم رئيسي، فيما كان هناك من يسعى للانسحاب من الصراعات العالمية والتركيز على القضايا الداخلية. في النهاية، شهدت فترة حكم ترامب حالة من الارتباك السياسي في التعامل مع الصين، حيث كانت القرارات تتأرجح بين مصالح الولايات المتحدة الآنية والمخاوف من تأثيرات هذه السياسات على مستقبل العلاقات الدولية.

في هذا السياق، كان من الواضح أن سياسة ترامب تجاه الصين كانت محكومة بشكل رئيسي بمزاجه الشخصي وتوجهاته الأيديولوجية، أكثر من كونها نتاجًا لاستراتيجية مؤسسية مدروسة. هذا الأمر خلق حالة من الغموض والتردد في السياسة الخارجية الأمريكية، مما أثر على قدرة الولايات المتحدة على صياغة سياسة ثابتة تجاه الصين، وهي القضية التي ستظل محورية في العلاقات بين البلدين في المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق