لم أجد كلمة تعبر عن أفكار مقالتي هذه سوى كلمة "مساكين"
حين تتردد على مسامعنا تلك الكلمة، فإن أول ما يخطر على بالنا هو ذلك الرجل المعدم ماليا، أو تلك الأسرة العاجزة عن مصاريف أبنائها، معيشيا ودراسيا وصحيا، بل ربما تلك الأسر والأشخاص الذين يعيشون بلا مأوى.
لكني في مقالتي هذه لا أتوقف عند هذا المعنى لكلمة "مسكين"، بل أتعداه لأصل إلى من يسمون "مساكين العلم"، وهم كثرة مع الأسف، كلما عرفوا معلومة بسيطة عن مجال ما، اعتقدوا في أنفسهم أنهم، الأكثر فهما في هذا المجال، وراحوا يعيدون معلومتهم بأكثر من سياق، بل واعتقدوا أن أحدا لم يسبقهم إليها. فإذا تحدثوا بها إلى شخص يعرفها، لكنها ليست حاضرة في ذهنه أثناء لحظة النقاش اعتقدوا بجهله بها، وأنهم هم السبب في تعليمها له.
بل وربما أن ذلك المجال يحتوي على آراء مختلفة قد تناقض معلومته البسيطة، فراحوا ينكرون كل شيء، ويؤكدون معلومتهم الوحيدة، معجبين بأنفسهم واكتشافهم الخطير، لتلك المعلومة البسيطة، والفكرة هي أن العلم لا حد له.
لقد خاب وضل كل من ادعى معرفة كل شيء، فقد حكم على نفسه بإيقاف مؤشر التعلم عنده والاكتفاء، بما وصل إليه من أقل من نقطة في بحر العلم، بل وقد خاب أولئك الذين اعتقدوا أنهم سبقوا إلى معلومة ما، متناسين خبرة من قبلهم، وراحوا يشككون بمعلوماته، وكأنهم هم الأذكى والأكثر فهما.
لا يا سادة كل ما في الأمر أنكم أردتم معرفة حقل جديد عليكم، قديم عند غيركم، وأخذتم ترددون معلومات وضعتموها في الصفوف الأولى لتفكيركم، بينما تراجعت عند غيركم بفعل الخبرات والسعة العلمية التي سبقوكم بها.
إن الصفة الاولى من صفات العلماء هي التواضع، وعدم الاستنقاص من معلومات أي شخص، والثانية هي استمرارية السؤال، والبحث العلمي والإيمان، بأن الإنسان لا يزال يتعلم، إلى أن يدفن لأن العلم بحر لا قاع له.
فرفقا بأنفسكم، فسعة العلم ليست بالثرثرة بمعلومة جديدة، والتوقف عندها واختصار العلم بها، بل هي القراءة والاستماع والمشاهدة، فكل شيء أمامنا يمثل مصدراً للمعلومة، فالمواقف الصغيرة دروس، والقراءة معلومات وخبرات، والمشاهدة والاستماع إطلاع وثقافة، وتظل الحياة أكبر مدرسة تعلم الإنسان.
فكم من مواقف مرت بنا كان التعامل معها في المرة الثانية أدق من الأولى، والمرة الثالثة أكثر حكمة من المرة الثانية... وهكذا.
كاتبة كويتية
0 تعليق