الضغط لتحصيل الحقوق يقود إلى الإفلاس بحثاً عن الرحمة

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تطوير البنية التشريعية ضرورة مُلحة، وهذا ما طالبنا به منذ زمن، خصوصاً مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، في البلاد والمنطقة والعالم، والحاجة إلى وضع مبدأ أن الكويت بلد الإنسانية.

في المقابل، إن هدف القوانين تنظيم حياة المجتمع، وحل مشكلاتهم، وعدم إيجاد أسباب لخلق أخرى مستقبلاً، لهذا، فإن بعضها يكون لمصلحة خاصة ببعض الناس، وهذا يفاقم الأزمات، الخاصة والعامة، بينما واقعياً من الضرورة العمل بحصافة كبيرة، ودقة في صياغة مواده، لردم الثغرات من جهة، ومن أخرى، كي تراعى هواجس الناس وأوضاعهم المالية والعقلية والاجتماعية.

ومن الأمثلة الحاضرة لدينا اليوم، مسألة حجز راتب المدين، فقد أوضحت دائرة التنفيذ في وزارة العدل أن نسبة الحجز تتراوح بين 25 و50 في المئة، وهذا حقيقة لا يحل مشكلة، لأن مصطلح "معاش" (الراتب) يعني تأمين الحد الأدنى لصاحبه، ومن المتعارف عليه، أن لا أحد يستدين إلا إذا كان بحاجة، ما يعني أن "معاشه" لا يكفيه، ما دفعه إلى مد يده للغير، أكان هذا الغير مصرفاً أو مؤسسة مالية، أو حتى أفراد.

وحين يحجز على كامل راتبه أو نصفه، فذلك يؤدي إلى مشكلة جديدة، وهي الاستدانة مرة أخرى، من مصدر جديد، لتأمين لقمة عيشه، وهذا يقودنا إلى مسألة الشيك من دون رصيد، والعقوبات الزاجرة المعمول بها في الكويت وحدها، بينما ليست موجودة في غالبية دول العالم، إن لم يكن كلها.

فعقوبة الثلاث سنوات سجناً عن كل شيك من دون رصيد، تعني أن المقترض المصدر شيكاً عن كل قسط، يقبع في السجن عشرات السنين، بينما المتعارف عليه في الحقوق المدنية، عالمياً وشرعياً، ودستورياً، منع حبس حرية المواطن في ما يتعلق بالقضايا المالية والجنح المدنية، إذا لم تكن تمس بالشرف والأمانة، أو تضر بأمن الدولة الداخلي، أو كان القصد منها التزوير، أو إيذاء النفس.

فيما الحبس يكلف المال العام والدولة الكثير، ربما تكون أكثر من الدين ذاته، وكذلك يهدم العائلات، أي أنه يتسبب في مشكلة اجتماعية من واجب الدولة حلها، هنا على سبيل المثال تقديم المساعدت الاجتماعية للمستحقين من وزارة الشؤون الاجتماعية، وهناك وفقاً للإحصاءات آلاف منهم في البلاد.

في المقلب الآخر، هناك قروض البنوك المضمونة أصلاً برهونات الأصول، وتكون أحياناً أضعاف المبلغ المُقترض، لذا عندما يتشدد القانون في هذا الجانب، من غير وجود حلول تمنح المستدين ما يساعده على الوفاء بأساس احتياجاته، هنا يتحول الأمر إلى ما يشبه القتل البطيء، فمن أين يعيش، إما أنه سيلجأ إلى طرق غير مشروعة، أو يموت جوعاً، ومن البديهي السؤال في هذه الحالة: كيف يعيش هذا الشخص من دون راتب (معاش)، وهو في الأصل موظف، وهل جرت مراعاة هذا الجانب، أم أن المبدأ هو "خذوه فغلوه"؟

من المبادئ الأساسية للتشريعات "الرحمة"، فحتى في الأوامر الزاجرة هناك مبدأ أن الحكم القضائي يجب أن يكون مقبولاً عقلاً ومنطقاً ومستساغاً بتوافقه مع مبادئ العقل والمنطق السليم، فيما مع التطورات القانونية الأخيرة، فهناك حل مشكلة موقتة بإيجاد أخرى أشد ضرراً.

فحين يجد المدين نفسه خاضعاً لسلطة الدائن التي لا ترحمه، يلجأ إلى إعلان إفلاسه، كي لا يُمنع من السفر، ولممارسة حياته من دون منغصات، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن في الكويت هناك 120 ألفاً عليهم قروض، ومرفوعة عليهم دعاوى في المحاكم، و"ضبط وإحضار" ومنع سفر، فهذا يعني شلّ الحياة الاقتصادية، وتدمير أسر بأكملها، أي خلق أزمة اجتماعية مستمرة، ولا تتوقف عند الشخص المستدين وحده، وتتحول الدولة وأجهزتها مندوب تحصيل للدائنين الذين من المفترض أنهم هم الغارمون.

على هذا الأساس، فإن مسألة حجز الراتب، كله أو نصفه، يعني دفع الناس في أفضل الأحوال إلى إعلان الإفلاس، هذا لا شك سيربك القضاء لكثرة الدعاوى التي سترفع، وكذلك التخلي عن مبدأ إن القانون معني بتوفير نظام يتوافق وإرشادات المجتمع، والمحافظة على استقراره، فهل من المعقول أن يتحول القانون إلى هادم لاستقرار المجتمع؟

هذا السؤال موجه إلى مجلس الوزراء، واللجان التي وضعت قوانين بعضها يخدم فئة معينة على حساب غالبية الناس.

  • أحمد الجارالله
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق