محليات
0

قطر وبريطانيا
الدوحة - قنا
شهدت العلاقات بين دولة قطر وبريطانيا تطورا ملحوظا خلال العقود الماضية، وتحولت من علاقات تقليدية تتركز على التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتعليم، إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد تتناول قضايا الأمن والدفاع، والاستثمار، والتكنولوجيا، والتغير المناخي، والأمن الإقليمي، ودعم جهود إحلال السلام.
هذا التطور المتنامي والزخم الكبير في العلاقات بين البلدين يعود إلى سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى، واتفاقيات التعاون، التي أفضت إلى إطلاق "الحوار الاستراتيجي" في نسخته الأولى بين الدوحة ولندن في عام 2023، وينظر الكثير من المراقبين والمحللين إلى أن هذا الحوار يعكس رغبة الطرفين في بناء تحالف طويل الأمد قائم على المصالح المشتركة، والتفاهم السياسي، والتكامل الاقتصادي في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
في هذا العام، يأتي الحوار الاستراتيجي في نسخته الثانية تحت شعار "شركاء من أجل المستقبل" في دلالة على عزم البلدين على المضي قدما في ترجمة توجيهات قيادة البلدين للارتقاء بهذه العلاقات نحو شراكة استراتيجية شاملة تركز على مجالات حيوية تخدم أهداف البلدين نحو التنمية والرفاه.
وينوه المحللون إلى أنه في ظل بيئة دولية متقلبة، وتحولات متسارعة، وتحديات عالمية مختلفة؛ فإن الشراكة بين دولة قطر والمملكة المتحدة تبرز كمثال متقدم على التعاون الثنائي المتعدد الأبعاد.. مشيرين إلى أن السياقات الجيوسياسية والاقتصادية، تظهر بجلاء أهمية استثمار العلاقة التاريخية بين البلدين ليس فقط في بعدها الثنائي، بل في تأثيرها على الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي.
وفي هذا السياق، وصف الدكتور أحمد غيث الكواري المستشار والخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، العلاقات القطرية البريطانية بأنها "تاريخية ومتينة بنيت عبر سنوات طويلة، تحت ظروف واعتبارات سياسية واقتصادية عميقة الجذور"، ما يكسب الحوار الاستراتيجي أهمية متزايدة ويعزز من نجاحه في خدمة مصالح البلدين الصديقين.
وأضاف أن الشراكة القطرية البريطانية ترتكز على عدة محاور رئيسية، أبرزها التعاون الدفاعي والأمني، إلى جانب الشراكة في مجالات الطاقة والغاز المسال، والتجارة والاستثمار، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والرياضة والسياحة، وحاليا التكنولوجيا المتقدمة، والتي باتت تحظى باهتمام كبير، إلى جانب تقارب الرؤى والمواقف إزاء الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن وجهات النظر بين البلدين تكاد تكون متطابقة، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للتحديات السياسية العالمية، واعتبار الحوار السبيل الأمثل لحل الخلافات والأزمات بين الدول ومعالجة القضايا الإقليمية والدولية لضمان استقرار العالم.
وأضاف في هذا الإطار، أن البلدين يتشاركان الرؤية بشأن السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهي الرؤية القائمة على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، "وهو ما جعل من المملكة المتحدة شريكا رئيسيا لدولة قطر في جهودها لحل النزاعات الإقليمية".
على الصعيد الاقتصادي، لفت الدكتور غيث الكواري إلى أن الشراكة بين البلدين في مختلف مجالات التعاون الاقتصادي تمثل نموذجا مهما، مشيرا إلى تنامي حجم التبادل التجاري الذي سجل حوالي 7.5 مليار ريال العام الماضي، فضلا عن حجم الاستثمارات القطرية الضخم في العديد من القطاعات هناك.
كما لفت إلى أن حكومة المملكة المتحدة تنظر إلى دولة قطر باعتبارها شريانا تجاريا حيويا ومهما لها، وهو ما أثمر عن توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، سواء على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص.
ونوه إلى قرار الحكومة البريطانية في عام 2023؛ إطلاق برنامج التأشيرة الإلكترونية للمواطنين القطريين ليكونوا أول المستفيدين من هذا البرنامج، وذلك في ضوء العلاقات المتميز بين البلدين، ونظرا للأعداد الكبيرة من السياح، والطلبة القطريين، والمستثمرين، الذين تعد بريطانيا وجهة مهمة لهم.
وختم الدكتور الكواري تصريحه بالإشارة إلى أن دولة قطر تسعى من خلال الحوارات الاستراتيجية، والاتفاقيات ومذكرات التفاهم، مع الدول الشقيقة والصديقة، إلى تعزيز موقعها كشريك استراتيجي خاصة تلك الدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي والثقافي على الساحة الدولية.
بدوره، أشار الدكتور عبدالله الخاطر، كاتب وخبير اقتصادي، إلى أن دولة قطر والمملكة المتحدة تربطهما علاقات عريقة وعميقة وأساسية قائمة على التكامل الاقتصادي والسياسي، ومهمة خاصة في مستقبل الأيام.
وأوضح في تصريح مماثل لـ"قنا" أن قطر تعد شريكا اقتصاديا استراتيجيا للمملكة المتحدة، سواء كان ذلك على مستوى الاستثمار من خلال جهاز قطر للاستثمار، والمستثمرين القطريين، أو على مستوى الطاقة حيث يعتمد الاقتصاد البريطاني على الطاقة النظيفة من دولة قطر.
وأضاف: "لندن هي قطب مالي عالمي، يقدم خدمات مالية واستثمارية عالمية، ويمكن لدولة قطر الاستفادة منها للانطلاقة المالية إما في مجال التكنولوجيا المالية أو الممارسات والمؤسسات المالية أو في وضع الرؤية والقوانين والاستراتيجية بالنسبة للقطاع المالي المحلي، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لدولة قطر".
وتابع "بطبيعة الحال للحفاظ على استمرارية هذه العلاقات، وفي إطار استدامة التواصل والاطلاع وتطوير هذه العلاقة والتنسيق بين البلدين في المواقف الدولية، تأتي أهمية الحوار الاستراتيجي القطري البريطاني، والذي يساهم في تعزيز العلاقات الثنائية ويفتح آفاقا جديدة ومجالات أوسع أمام التبادل التجاري والاستثماري، والتعاون الدبلوماسي لمواجهة التحديات".
بدوره، قال الدكتور عامر الشوبكي خبير اقتصادي متخصص في النفط والطاقة، إن الحوار الاستراتيجي بين قطر وبريطانيا يمثل منصة مهمة لتعزيز العلاقات الراسخة بين البلدين وفرصة لاستشراف مسارات تعاون جديدة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
وأشار في تصريح مماثل لـ"قنا"، إلى أن الحوار سيتناول حزمة من القضايا السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى التجارة والاستثمار والابتكار التكنولوجي والانتقال إلى اقتصاد أخضر مستدام والصناعات الإبداعية والتركيز على الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة لمواجهة تغير المناخ وغيرها.
وأضاف "تعكس هذه المجالات نظرة شاملة لتعزيز الشراكة، حيث تربط بين الجوانب الاقتصادية والتنموية من جهة، والجوانب الثقافية والإنسانية والأمنية من جهة أخرى".
وتابع "من الواضح أن كل مجال من هذه المجالات يتماشى مع مصالح استراتيجية لكلا البلدين، فدولة قطر تسعى لتحقيق رؤيتها الوطنية 2030 القائمة على التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة، وبريطانيا بدورها تتطلع لشراكات دولية تدعم أجندتها للنمو الاقتصادي ومرحلة ما بعد "البريكست".
كما أشار الدكتور الشوبكي إلى أن هذه المسارات تأخذ في الاعتبار التحديات العالمية المشتركة، ما يدل على إدراك الدوحة ولندن لمسؤوليتهما في المساهمة في حل القضايا الدولية الملحة.
ولفت إلى أن الطبيعة الشاملة للمواضيع المطروحة على جدول أعمال الحوار الاستراتيجي القطري - البريطاني الثاني تعكس عمق العلاقة بين البلدين وتعدد جوانبها، مضيفا:" سيشكل هذا الاجتماع فرصة سانحة لترجمة التفاهمات الاستراتيجية إلى خطط عمل تنفيذية ومشاريع مشتركة ملموسة".
ولفت إلى أن الشعار الذي يرفعه الحوار "شركاء من أجل المستقبل" يمثل تجسيدا للإرادة السياسية المشتركة لبناء مستقبل قائم على المنفعة المتبادلة والتكامل في شتى الميادين، مضيفا "لذا فإن انعقاد الحوار الاستراتيجي الثاني وما يصدر عنه من نتائج مرتقبة سيسهم في ترسيخ هذه الرؤية المشتركة وتحويلها إلى واقع ملموس".
واختتم الدكتور عامر الشوبكي الخبير الاقتصادي تصريحه لـ"قنا" بالقول "إن قطر والمملكة المتحدة اليوم على أعتاب مرحلة متقدمة من شراكتهما الاستراتيجية، والحوار الاستراتيجي الثاني سيكون بمثابة حجر الزاوية لتعميق هذه الشراكة ورسم ملامحها القادمة، ونقطة تحول جوهرية لبناء تحالف استراتيجي متجدد يعود بالنفع والاستقرار على شعبيهما ويعزز ازدهارهما لعقود مقبلة".
وختاما، فإن العلاقات القطرية البريطانية تمثل نموذجا ناجحا للتحول من التعاون الثنائي التقليدي إلى شراكة استراتيجية شاملة. ومع استمرار الحوار الاستراتيجي، وتوسع التعاون في مجالات جديدة، من المؤكد أن تشهد العلاقة مزيدا من التعمق في السنوات المقبلة، بما يخدم مصالح البلدين ويعزز الاستقرار الإقليمي والدولي.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
0 تعليق