من السلطة إلى التأثير: ما الذي يميز القائد الحقيقي؟

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في صباح أحد الأيام، دخل المدير التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الناشئة إلى غرفة الاجتماعات، وكان اليوم حاسما، فالخطة الجديدة للتوسع الإقليمي تحتاج إلى أن يكون الفريق بأكمله ملما وواعيا بها.

بدأ الاجتماع بإعلان حازم «بصفتي المدير العام، أعلن رسميا بدء تنفيذ خطة التوسع»، مستخدما بذلك سلطته الشرعية. ثم وجّه حديثه إلى قسم التسويق قائلا «الفريق الذي يحقق أعلى معدلات الوصول الرقمي هذا الربع سيحصل على مكافآت إضافية»، مفعّلا سلطة المكافأة.

ولكن عندما أبدى أحد الموظفين اعتراضه على ضيق الوقت لتنفيذ الخطة، رد المدير بلهجة جادة «أي تأخير في التنفيذ سيُخصم من مكافآت الأداء»، في استخدام واضح لسلطته القسرية.

لاحقا، عرض المدير رؤيته التفصيلية عن السوق الجديد، مدعومة بتحليل بيانات دقيق، مما أكسب حديثه ثقة الفريق عبر سلطة الخبرة. وفي نهاية الاجتماع وجه كلمة محفزة «أنا أثق في كل واحد منكم، نحن ننجح سويا كما اعتدنا دائما»، هنا برز تأثيره الإنساني واحترام الفريق له، وهي السلطة المرجعية في أنقى صورها.

هذا المدير لم يكن مثاليا، لكنه وظّف أنواع السلطة بشكل متوازن وفقا لسياق كل موقف. والسؤال الأهم: هل كل القادة يعرفون كيف يستخدمون سلطتهم بذكاء؟ وهل يدركون تأثير كل نمط على فريقهم؟

في عام 1959، قدّم الباحثان فرنش وريفن نموذجا صنّفا فيه السلطة داخل بيئة العمل إلى خمسة أنواع رئيسية، لا تزال تُستخدم حتى اليوم لفهم ممارسات القيادة في المؤسسات.

- السلطة الأولى هي السلطة الشرعية Legitimate Power، وهي التي يستمدها القائد من منصبه الوظيفي، وتُستخدم لضبط سير العمل، لكن فعاليتها ترتبط بعدالة استخدامها وعدم الاكتفاء بها كوسيلة وحيدة للتوجيه.

- النوع الثاني هو سلطة المكافأة Reward Power، وتعتمد على قدرة القائد على منح حوافز للموظفين، سواء مادية أو معنوية، واستخدامها الفعّال يتطلب شفافية، وربط المكافآت بإنجازات واضحة ومحفّزة.

- أما السلطة القسرية Coercive Power، فترتكز على العقاب أو التهديد. يجب استخدامها بحذر شديد، وفي حالات محدودة تتعلق بالإخلال الجسيم بالقواعد أو القيم المؤسسية، لأنها قد تخلق بيئة من التوتر والخوف.

- ثم تأتي سلطة الخبرة Expert Power، والتي تنبع من الكفاءة الفنية والمعرفة المتخصصة، وهذا النوع من النفوذ يُكسب القائد احتراما عفويا، ويعد من أكثر الأنواع استدامة وفعالية، خاصة عندما يستخدم لتوجيه الفريق ومشاركته في الحلول.

- النوع الخامس هو السلطة المرجعية Referent Power، وتستند إلى الاحترام والثقة المتبادلة. القائد الذي يلهم موظفيه بأخلاقه وسلوكه وتواصله هو من يتبع طواعية. هذا النوع يُبنى عبر الزمن، ويتطلب قدرا عاليا من الصدق، التواضع، والاتساق في التعامل.

لكن امتلاك هذه السلطات لا يكفي وحده، فالاستخدام الذكي والمتوازن لها هو ما يصنع الفارق. إليك باختصار كيف يمكن استخدام كل نوع بفعالية:

- استخدم السلطة الشرعية لتنظيم المهام، دون الإفراط في إصدار الأوامر.

- استخدم سلطة المكافأة لتحفيز الأداء، بشرط أن تكون عادلة ومرتبطة بإنجازات حقيقية.

- استخدم السلطة القسرية في أضيق الحدود، ومع وجود سياسات واضحة.

- عزز سلطة الخبرة من خلال التعلم المستمر، وشارك معرفتك مع الفريق.

- ابنِ السلطة المرجعية عبر المواقف اليومية، بالاحترام والقدوة والتواصل الإنساني.

وبحسب الأبحاث الحديثة، تعد سلطة الخبرة والسلطة المرجعية الأكثر فاعلية في بناء فرق ملتزمة ومنتجة على المدى الطويل. في المقابل، تعد السلطة القسرية الأقل تأثيرا، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا أسيء استخدامها.

ختاما، القيادة الحقيقية لا تكمن في الهيمنة، بل في التأثير. وكلما كان القائد واعيا بما يملكه من نفوذ، ومدى تأثيره على من حوله، كلما اقترب من أن يكون مصدر إلهام لا مجرد صاحب قرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق