حديث الأفق
- الحكم الجائر لم ينقذ صدام ومُعمر من المشنقة
- ابن الجبير: ليست غايتي إلا إحقاق وإقامة العدل
- كان الحكام يتشبثون بكراسيهم ويرفضون النصيحة
- سعيد: كثُرت شكوى الناس وتظلمهم وأرى وأسمع
شهد العالم العربي في العقود الثلاثة الماضية الكثير من الأحداث التي أثرت بشكل كبير على بنية الشعوب، وساعدت على المزيد من الفقر والعوز، وفي هذا كله كان بعض الحكام يتشبثون بكراسيهم، ويرفضون أي نصحية من حكماء شعوبهم، فيما بعضهم رأى أن التغيير لن يطوله، لأنه عمل على ترسيخ حكم ديكتاتوري مارس خلاله أفظع أنواع التعذيب وكم الأفواه.
من هؤلاء صدام حسين، ومعمر القذافي، وزين العابدين بن علي، وغيرهم العديد، وكان آخرهم بشار الأسد، حيث لم يدركوا أن الشعوب مهما استسلمت إلى الحاكم الجائر، فلا بد أن تنتفض يوماً، وأن سدود القهر لا تصمد أمام سيل غضبها العرم.
في المقابل، لم يتعلم هؤلاء من التاريخ، ولا أخذوا العبرة مما جرى لغيرهم، لهذا أعدم صدام الهارب من مصيره، فيما القذافي كان مصيره أشد من غيره، أما الأسد فكان مصيره الهروب في ليل حالك.
ربما كان على هؤلاء الاعتبار من قصة الحجاج بن يوسف الثقفي (660- 714 ميلادية) الذي كان ديكتاتوراً في حكمه، فبينما هو والي على العراق، وليس خليفة، لم يرحم حتى العجائز والشيوخ، بل تمادى إلى حد أنه دك الكعبة المكرمة بالمنجنيق.
قصة هذا الوالي جديرة بالقراءة، وماذا يحصل عندما لا يستمع الحكام إلى نصائح الحكماء، إذ بعد تولية الحجاج بن يوسف الثقفي لسعيد بن جبير منصب القضاء، مكث الرجل فترة في بغداد، ورأى المظالم، وسمع الكثير من الشكوى، فجاء إلى الأول، كي يطلب منه تخفيف الشدة، والقسوة، ودار حديث طويل بينهما، وبعد عرض الأمر على الحجاج، أراد الوالي أن يستوضح منه، فقال بنزق: "ماذا قلت يا ابن جبير"؟
قال القاضي: "ما سمعت أيها الأمير"..
فقال الثقفي باستخفاف: "أحب أن تعيد عليَّ، فهذا لا يسمع مرة واحدة".
ابن جبير: "سامح الله الأمير، أن شكوى الناس ليست محل هزل، فلقد كثرت المظالم وعمّت الشكوى".
أجاب الثقفي: "لقد أسندنا إليك النظر في خصومات الناس، وليس مخاصمة الأمير، فعليك العمل بما أسند إليك، والنظر في تلك الخصومات، وقضاء حوائج الناس".
ابن جبير: "قد كثرت شكوى الناس، وتظلمهم، وإنني أرى وأسمع، لهذا جئت ناصحاً بأن تبلغ قلوبهم بالرأفة واللين، فهي شكاة تسمع".
الحجاج: "إني أصم أذاني عنها، ولا أريد قلوبهم، بل الولاء منهم، وسيوفهم عندما أطلب ذلك".
- سعيد: "الطاعة تكتسب بالرأفة والرحمة".
- فقال الثقفي: "لا يا ابن جبير، لأنه لو أعطيت هؤلاء الناس ما يحبون، وعرفوا أن أميرهم يداريهم، فاعلم أنهم سيقومون عليَّ، ويطلبون قتلي، لهذا إن الشدة في السياسة أبلغ".
- ابن جبير: "لا أوافق الأمير رأيه".
الثقفي: "قد لا توافقني الرأي، لكنك ستعمل به، وتنفذ أمري، وأكرر أن الأمير ليس موضع الخصوم".
ابن الجبير: "اطلب من الأمير أن يحل اللين والرأفة محل القسوة، والرفق محل الشدة".
الحجاج: "أنا أعلم منك بهؤلاء القوم، وكيف يساسون، فالزم مكانك في منصب القضاء، ولا ترجع إلى هذا".
سعيد: "ليست غايتي إلا إحقاق وإقامة العدل".
الثقفي: "ويحك إني كنت أعلم القرآن".
ابن جبير: "لقد أخرجت القرآن من قلبك إلى لسانك، لذا إقامة العدل يكون بإحقاق الحق بين الناس".
- الثقفي: "اترك العدل بين الجماعة لأولي الأمر".
هنا احتد ابن جبير، فقال: "أرجو أن تعفيني، فلم أعد أطيق سماع الشكوى".
الثقفي: "إن كتاب الله العزيز الحكيم أمر بطاعة أولي الأمر".
ابن جبير: "هو العزيز الحكيم الرؤوف الرحيم بعباده".
الثقفي: "ويحك... لقد كنت أعلم القرآن الكريم".
سعيد: "لا تهددني، لقد تمنيت أن ألقى وجه ربي غير ظالم".
الثقفي: "لا، لن تلزم دارك، ولن أسمح لك بهذا بعد أن جاهرت بما أنت فيه".
وحينها انتهت المحادثة بقول الحجاج غاضباً: "أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك".
فقال سعيد: "اللهم لا تحل له دمي ولا تمهله من بعدي".
ثم قال: "اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي".
ويقال إن سعيد بن جبير ذُبح من القفا، وقد استجاب الله دعاءه، فقد التبس الحجاج في عقله، ودبّ المرض في جسده وجعل ينادي: "ما لي ولسعيد".
نكشات
- حتى تفهم الحياة، زر المستشفيات والسجن والمقبرة، ففي المستشفيات ستفهم أنه ليس هناك أفضل من الصحة، وفي السجن ستعرف معنى الحرية، وفي المقابر ستدرك أن الحياة لا تساوي شيئاً، وأنك لا تعرف أبداً ما يحمله الغد.
* * *
- محبة الناس ليست بالحسب ولا بالنسب ولا بكثرة المال والذهب، إنما بالأخلاق والأدب، والأخلاق الحميدة هي العمل الطيب، كن صاحب ابتسامة، وروح بسيطة، ونقاء قلب، ليكن لك أثر طيب في كل مكان تمر به.
* * *
- تأكدوا هل أموال القُصّر في أمان؟، فهناك من يتحدث أنها تتعرض للتلاعب، وفيها تأجير أملاك بأسعار زهيدة، والانتفاع مع المنتفعين... تأكدوا لعله خير... إن شاء الله إشاعات أو "شاعات" باللهجة السورية.
* * *
- ما أسرع قبول دعوة المظلوم، فأبواب السماء مفتوحة لها، والظالم سينال جزاء ظلمه، وهو أول من سيشعر بهذا الجزاء، ويعرف جزاء إيذائه للناس وظلمه لهم... قالها مجرب، نال جزاءه من رب العالمين.
* * *
- عندما نفقد حب الناس سنعيش في حسرة وقلق، وسنحاط بالأمراض والاكتئاب، وقلة الحيلة وسنفقد النوم، وسنعيش الأحلام المزعجة، ونشعر بالضجيج من حولنا.
0 تعليق