رسالة مكتوبة إلى واشنطن... سوريا ترد على شروط تخفيف العقوبات

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حراك سياسي حذر بين دمشق وواشنطن، توجّه رد رسمي مكتوب أرسلته الحكومة السورية إلى الولايات المتحدة.

الرد جاء على قائمة الشروط الأميركية التي تم تقديمها الشهر الماضي لدمشق، والمرتبطة بإمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا منذ سنوات.

وأشارت الرسالة، التي حصلت "رويترز" على نسخة منها، إلى أن سوريا استجابت لغالبية المطالب، في حين أن تنفيذ بعض الشروط المتبقية يتطلب "تفاهمات متبادلة" وتنسيقًا مباشرًا مع الإدارة الأميركية.

8 شروط... وتجاوب جزئي

القائمة الأميركية تضمنت 8 مطالب أساسية، منها ما هو متعلق بالأمن الإقليمي وما هو متصل بالحوكمة الداخلية.

في مقدمة هذه المطالب، دعت واشنطن إلى تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية التي تتهم دمشق بالاحتفاظ بها، رغم التزامات سابقة بموجب اتفاقات دولية.

كما شددت الشروط على ضرورة ضمان ألا يشغل أي أجانب مناصب قيادية في مؤسسات الحكم السوري، في إشارة ضمنية إلى الحضور الإيراني أو عناصر من "حزب الله" اللبناني، بحسب ما فسره مراقبون.

وبحسب "رويترز"، فقد أكدت الرسالة أن دمشق بادرت إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الملموسة، أبرزها:

- تعزيز التنسيق مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وإعادة تنشيط قنوات التواصل لضمان الشفافية في التعامل مع ملف الأسلحة الكيميائية.

- تعليق منح الرتب العسكرية للمقاتلين الأجانب الموجودين ضمن صفوف الجيش السوري، في خطوة اعتبرتها "إجراءً موقتًا" بانتظار حوار أوسع حول هذه القضية.

- تأسيس مكتب خاص في وزارة الخارجية السورية يتولى متابعة ملف الصحفي الأميركي المفقود أوستن تايس، الذي اختفى قبل أكثر من عقد في الأراضي السورية.

قائمة الشروط

وتضمنت القائمة الأميركية، التي سلمت الشهر الماضي إلى سوريا عبر المسؤولة الأميركية ناتاشا فرانشيسكي، ثمانية مطالب رئيسية، كان أبرزها:

- تدمير أي كميات متبقية من الأسلحة الكيميائية الموجودة داخل سوريا.

- ضمان عدم منح أي أجانب مناصب قيادية أو أمنية حساسة داخل أجهزة الدولة السورية.

- السماح لواشنطن بشن عمليات محددة لمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية.

- تقديم تعاون كامل في ملف البحث عن الرهائن والمفقودين الأميركيين في سوريا.

وبحسب مصادر ديبلوماسية مطلعة، فقد اعتُبرت هذه المطالب بمثابة "خارطة طريق" قد تفتح المجال أمام تخفيف تدريجي للعقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل دمشق.

لا تهديد لإسرائيل

الرسالة السورية حرصت على توجيه إشارات تهدئة للولايات المتحدة، وأكدت أن سوريا "لا تُشكّل تهديدًا لأي طرف في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل".

وتأتي هذه العبارة لتخفيف المخاوف الأميركية والإسرائيلية من أي تصعيد محتمل على الجبهة الجنوبية أو من تموضع إيراني عسكري طويل الأمد داخل الأراضي السورية.

ضبط الفصائل الفلسطينية

من النقاط التي أبرزتها دمشق في رسالتها، إعلانها تشكيل لجنة خاصة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية العاملة داخل سوريا، وهو ما يُعد تجاوبًا مباشرًا مع مطلب أميركي ينص على الحد من الأنشطة العسكرية والسياسية لتلك الفصائل، لا سيما تلك التي تصنّفها واشنطن كـ"منظمات إرهابية".

كما أكدت الرسالة انفتاح سوريا على إجراء "مزيد من المناقشات" بشأن هذه القضية، في إطار مقاربة حذرة لا تصطدم مع حلفاء تاريخيين داخل المشهد الفلسطيني.

قضية المقاتلين الأجانب

ومن بين القضايا التي وُصفت بـ"الحساسة" في الرسالة، أشارت دمشق إلى أن مسألة وجود مقاتلين أجانب ضمن الجيش السوري تحتاج إلى "جلسة تشاورية أوسع".

لكنها في الوقت ذاته لفتت إلى أنها اتخذت خطوة عملية في هذا الملف عبر "تعليق إصدار الرتب العسكرية" لهؤلاء المقاتلين، وهو ما يُعد بادرة أولى باتجاه الاستجابة للطلب الأميركي، رغم عدم وجود إعلان عن خطة شاملة لإبعادهم أو تفكيك ارتباطهم بالمؤسسة العسكرية.

وجاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين لكن المسألة "تتطلب جلسة مشاورات أوسع".

كما ذكرت الرسالة أن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أن إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه بعد الإعلان في وقت سابق عن ترقية 6 أفراد، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر كانون الأول من بينهم مقاتلون من الويغور وأردني وتركي في مناصب بالقوات المسلحة السورية.

ولم تذكر الرسالة ما إذا كان قد تم تجريد هؤلاء المقاتلين الأجانب من الرتب التي حصلوا عليها، ولم تشر أيضا إلى الخطوات التي سيتم اتخاذها في المستقبل.

وقال مصدر مطلع على نهج الحكومة السورية بهذا الشأن إن دمشق ستؤجل التعامل مع هذه القضية قدر الإمكان نظرا لأنها ترى أن المقاتلين الذين ساعدوا في الإطاحة بالأسد من غير السوريين يجب أن يعاملوا معاملة حسنة.

مكافحة الإرهاب والقضايا العالقة

ورغم الجهود السورية المعلنة، لاحظت الرسالة وجود بعض الثغرات، أبرزها عدم تقديم تفاصيل دقيقة بشأن خطط إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، أو آلية التعاون العملي مع الولايات المتحدة في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب.

وتبقى هذه الملفات العالقة بمثابة اختبارات حقيقية أمام أي تقدم في المحادثات غير الرسمية بين الطرفين.

وشملت الرسالة تعهدا بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في البلاد، وتعهدا باتخاذ "الإجراءات القانونية المناسبة"، دون أن تذكر تفاصيل.

وقال مسؤول سوري مطلع على الرسالة إن المسؤولين السوريين يفكرون في سبل أخرى لإضعاف المتطرفين دون منح الولايات المتحدة إذنا صريحا بتنفيذ ضربات، باعتبار ذلك خطوة مثيرة للجدل بعد أن تعرضت سوريا لسنوات للقصف من قوات جوية أجنبية خلال الحرب.

وأقرت الرسالة أيضا بوجود "تواصل مستمر" بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان بشأن مكافحة تنظيم داعش، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.

لا رد أميركي بعد

ولم يصدر حتى اللحظة تعليق رسمي من وزارة الخارجية الأميركية بشأن الرد السوري، ما يفتح باب التكهّنات حول طبيعة القنوات الديبلوماسية التي قد تكون فُتحت خلف الكواليس، في ظل انشغال واشنطن بملفات أخرى أكثر سخونة مثل الحرب في غزة، والتصعيد المتواصل مع إيران، والنزاع الروسي الأوكراني.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن واشنطن ربما تستخدم ورقة العقوبات كأداة ضغط تدريجي على دمشق لدفعها نحو تعديل سياساتها، خاصةً فيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية والموقف من الوجود الإيراني.

كلمة الشيباني أمام مجلس الأمن

في سياق متصل، استغل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أول كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي، الجمعة، لإبراز خطوات بلاده نحو الاستجابة للمطالب الأميركية.

وأكد الشيباني أن سوريا "ملتزمة التزامًا كاملاً" بتدمير الأسلحة الكيميائية، وأنها تبذل جهودًا مستمرة للتعاون في البحث عن المواطنين الأميركيين المفقودين، في محاولة لإقناع الأسرة الدولية بجدية دمشق في هذا الملف.

وتطابقت تصريحات الشيباني مع مضامين الرسالة السورية التي لم يُكشف عن نصها سابقًا، مما يعزز الانطباع بأن دمشق تنتهج مقاربة ديبلوماسية جديدة تجاه واشنطن.

نحو تفاهم أكبر؟

ومع بقاء الرد السوري قيد التقييم في واشنطن، تتباين التوقعات بشأن المسار الذي ستسلكه العلاقة بين الطرفين.

ففي حين يرى البعض أن تجاوب دمشق يمكن أن يفتح نافذة محدودة لتخفيف تدريجي للعقوبات وتسهيل تقديم المساعدات، يحذر آخرون من أن الخلافات العميقة حول قضايا الأمن والسيادة ستظل عائقًا أمام أي انفراجة حقيقية.

حاجة سورية ملحة لتخفيف العقوبات

يأتي هذا التحرك السوري في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، ناجمة عن أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب والعقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول غربية عدة ضد نظام بشار الأسد.

وسبق أن أصدرت واشنطن في يناير الماضي إعفاءً مؤقتًا من بعض العقوبات، مدته ستة أشهر، بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة، غير أن تأثير هذا الإعفاء كان محدودًا على أرض الواقع.

وكشفت مصادر أميركية لرويترز أن الإدارة الأمريكية تدرس تمديد هذا التعليق لمدة عامين إضافيين في حال أظهرت دمشق التزامًا حقيقيًا بتلبية جميع الشروط، بل وقد تدرس إصدار إعفاءات إضافية ضمن إطار مساعدات الإغاثة وإعادة الإعمار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق