بعد 100 يوم من ولاية ترامب... الديمقراطيون عاجزون عن الخروج من حالة الشلل

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

واشنطن - أ ف ب - بعد مرور مئة يوم على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لاتزال المعارضة الديمقراطية في حال صدمة، من دون رأس ولا رسالة، شبه عاجزة عن إيجاد موقع لها بوجه رئيس طاغي الحضور يعمل على إعادة تشكيل المشهد السياسي الأميركي على صورته وصورة برنامجه.

لخصت أستاذة الشؤون العامة في جامعة فرجينيا باربرا بيري وضع الديمقراطيين بقولها إنهم «في مأزق»، موضحة لـ «فرانس برس» أنهم «يتقدّمون متعثّرين» ويجدون أنفسهم مرغمين على «اعتماد موقع دفاعي» بمواجهة «فورة غضب» الملياردير البالغ 78 عاماً.

منذ 6 ساعات

منذ 6 ساعات

ولفتت بابرا بيري إلى أنه خلال المئة يوم الأولى من ولاية ترامب الأولى عمت «الفوضى الكاملة وقلة التنظيم» لأنه لم يكن يتوقع الفوز بالرئاسة، لكنه هذه المرة عاد إلى السلطة بخطة عمل حلفاؤه طوال السنوات الأربع الماضية على وضعها.

وأكدت أن بداية رئاسته هذه «غير مسبوقة» في تاريخ الولايات المتحدة، ما بين إصدار أعداد هائلة من المراسيم الرئاسية وبلبلة التجارة الدولية وتفكيك أجزاء كاملة من الدولة الفيدرالية تحت إشراف حليفه الملياردير إيلون ماسك، وغيرها من التدابير.

في المقابل، يواجه الديمقراطيون الذين باتوا أقلية في مجلسي الكونغرس، سلسلة طويلة من المشكلات، في طليعتها افتقارهم إلى قيادي بارز وإلى «رسالة منسقة أو موحدة يقدمونها للأميركيين سوى أن ترامب مخطئ».

«بحاجة إلى الأمل»

ويثير هذا التخبط إحباط العديد من الناخبين الذين يتمنون قيام معارضة أكثر قوّة وحيوية ضد ترامب.

وبلغ غضبهم ذروته في منتصف مارس حين رضخ زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر في مواجهة مع الجمهوريين وصوت لصالح مشروع قانون تمويل لتفادي إغلاق الحكومة الفيدرالية.

وفسر الكثيرون هذا التراجع في موقف الديمقراطيين على أنه تخاذل وطالبوا السناتور السبعيني عن ولاية نيويورك بالانسحاب.

وقالت أليكس باول لوكالة فرانس برس خلال حضورها تجمعاً للسناتور اليساري بيرني ساندرز أخيراً في لوس أنجليس «إننا بحاجة إلى بعض الأمل».

وأضافت المدرسة البالغة 28 عاماً أن «رد الديمقراطيين خيب أملي حقاً، أريد منهم المزيد من التحرك، المزيد من الاستنكار».

وبدأت تظهر تحركات معارضة لا تنبثق بالضرورة عن الحزب الديمقراطي، بل عن جمعيات ترفع على سبيل المثال شكاوى قضائية ضد تدابير تتخذها الإدارة.

وتحولت الاجتماعات العامة التي يعقدها النواب الجمهوريون في دوائرهم عملاً بتقليد تسوده عادة روح توافقية، مساحة للتعبير عن الغضب الشعبي حيال ترامب.

وجرت تظاهرات عدة في الأسابيع الأخيرة عبر الولايات المتحدة، احتجاجاً بصورة رئيسة على الاقتطاعات المزمعة في الإنفاق العام.

غير أن هذا الرد من الشارع الأميركي على سياسات ترامب يبقى في الوقت الحاضر «متفرقاً وغير مركزي» برأي باربرا بيري.

«محاربة الأوليغارشية»

ووسط هذا الجمود الديمقراطي العام، تحاول بعض الوجوه اليسارية رفع الصوت.

وفي السياق، أطلق السناتور المستقل بيرني ساندرز الذي يحظى بشعبية واسعة في أوساط اليسار، جولة تحت شعار «محاربة الأوليغارشية»، استقطب في كل من محطاتها آلاف المناصرين، وانضمت إليه النائبة النيويوركية الثلاثينية ألكسندريا أوكازيو كورتيز، وهي أيضاً من أقطاب الحركة التقدمية.

وحطم السناتور الديمقراطي كوري بوكر في مطلع أبريل الرقم القياسي لأطول خطاب في مجلس الشيوخ، مندداً على مدى أكثر من 25 ساعة متواصلة بسياسة الرئيس.

وحظي هذا الماراثون الخطابي، ولو أنه بقي إلى حد بعيد رمزياً، بملايين المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي بادرة أمل، فاز اليسار في انتخابات لعضويّة المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن، رغم تدخل ماسك، أحد أقرب مساعدي ترامب، الذي وزع الملايين على الناخبين.

ورأى فلافيو هيكل أستاذ العلوم السياسية في معهد واشنطن أنه إن كان «غير واضح في الوقت الحاضر أي نوع من الرسائل أو التكتيكات سيسمح للحزب الديموقراطي بتعزيز فرصه في الانتخابات التشريعية لمنتصف الولاية في نوفمبر 2026» فمن المهم «اختبار» عدد من هذه الرسائل والتكتيكات.

وتابع «بعضها لن يفضي إلى نتيجة، وبعضها الآخر سيفشل ببساطة، لكن النجاح لن يقدم لهم على طبق من فضة».

وهذه التحركات المتفرقة تمثل بالنسبة لعدد من الديمقراطيين وسيلة جيدة للبروز قبل ثلاث سنوات من حملة رئاسية لم يظهر بعد أي مرشح واضح لها بين اليسار.

... العالم بلا ضوابط معتمداً على «حدسه»

تجاوز دونالد ترامب على مدى نحو 100 يوم في البيت الأبيض، الحدود المعتادة لسلطة الرئيس الأميركي، وجعلها طوع رغباته، من توبيخ نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الى تهديد القضاة وإشعال حرب تجارية عالمية، مروراً بأمر تنفيذي يتعلق بضغط مياه الاستحمام.

لم يتردد ترامب مطلع أبريل بالقول بأن «الولاية الثانية هي فعلا أقوى بكثير».

هيمن معيار القوة على الأشهر الثلاثة الأولى للثري الجمهوري في البيت الأبيض. لكن بعكس الولاية الأولى (2017 - 2021) حين أحاط نفسه ببعض الوزراء والمستشارين والعسكريين الكبار القادرين على كبح جماحه، اختار ترامب هذه المرة أن يجمع حوله فريقاً من الأوفياء الذين يؤكد أنه يتيحون له أن يحكم معوّلا على «حدسه».

استخدم ترامب (78 عاماً) هذا التعبير لدى الحديث عن سياسته بشأن التعرفات الجمركية، والقائمة حتى الآن على إعلانات صادمة وانعطافات مفاجئة.

وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة غرينيل باربارا تريش «هذه المرة، أحاط الرئيس نفسه بمستشارين لا يطبقون فقط مناورات القوة الجريئة (التي يريد هو القيام بها)، بل يشجعون عليها في بعض الأحيان».

وإذا كان لصورة أن تختصر الولاية الثانية، فهي ترامب الجالس في المكتب البيضوي الذي زيّنه بالتحف المذهبة، محاطاً بوزراء يقابلون تجاوزاته بالضحك، وصحافيين يطرحون عليه الأسئلة بينما يوقّع أمراً تنفيذياً تلو الآخر.

«الثأر»

يحذّر الخصوم من أن النظام الذي أقامه ترامب ونصّب نفسه مركزاً أوحد له، يهدد الهيكل الدقيق الذي أرساه الدستور لتحقيق توازن مع الصلاحيات الرئاسية.

يرتكز التوازن السياسي في الولايات المتحدة على السلطتين التشريعية والقضائية. لكن الكونغرس يهيمن عليه الجمهوريون، ويُظهر الى الآن ولاء لا لبس فيه للرئيس الحالي، الى حد أن النائبة كلاوديا تيني تقدمت باقتراح لجعل يوم ميلاد ترامب عطلة رسمية.

أما القضاة، فوجّه ترامب انتقادات الى كثيرين منهم، واتهمهم بأنهم «يريدون تولّي صلاحيات الرئاسة». حتى أنه استشهد يوماً بنابوليون ليشرح موقفه بقوله إن «من يخلص البلاد لا ينتهك أي قانون». ومن ثم فهو يهدد القضاة الذين يعترضون على بعض قراراته.

وعليه، وبعد أن طالب بعزل قاضٍ فيدرالي أمر بتعليق قراره بطرد مهاجرين إلى السلفدور، وجّه إليه رئيس المحكمة العليا تأنيبا علنيا نادرا، مشدداً على أنه «على مدى أكثر من قرنين، ثبت أنّ العزل ليس رداً مناسباً على خلاف متعلّق بقرار قضائي».

ويرى ترامب أن وزارة العدل هي بمثابة «الذراع المسلحة» في عملية «الثأر» السياسي التي وعد مناصريه بها بعد عودته إلى البيت الأبيض، علماً بأنه أصدر في اليوم الأول من ولايته، قراراً بالعفو عن مثيري الشغب الذين اقتحموا الكابيتول في السادس من يناير 2021.

وهاجم ترامب حتى الآن مكاتب محاماة والطلبة الأجانب، ودفع القضاء الفيدرالي لملاحقة مدير سابق لوكالة الأمن السيبراني الأميركي، خطؤه الوحيد هو تأكيده عدم وجود مخالفات في انتخابات 2020 الرئاسية التي خسرها ترامب أمام سلفه الديمقراطي جو بايدن.

وتوعد ترامب من يعتدون على سيارات شركة «تيسلا» المملوكة لحليفه إيلون ماسك، بمواجهة «جحيم قضائي». وبات للثري الأميركي موقع لصيق بترامب الذي أوكل إليه الإشراف على وكالة حكومية لخفض النفقات الفيدرالية.

الولاية الثالثة؟

أما فريق التواصل الإعلامي، فنقل أسلوب عمل حملة ترامب الانتخابية إلى البيت الأبيض باعتماد الإهانة أحيانا، والاستفزاز غالباً، والمديح دائماً.

وعندما قال ترامب خلال حفلة استقبال «لدينا هنا بعض أعضاء مجلس الشيوخ لكنني لا أحبهم فعلاً، لذا لن أقوم بتقديمهم»، كتب أحد حسابات الإدارة الأميركية تعليقاً على ذلك جاء فيه «الرئيس الأكثر طرافة على مدى التاريخ».

وبعدما تراجع بعض الشيء عن حربه التجارية وأعلن تعليق بعض التعرفات التي تسببت بخسائر حادة في أسواق المال العالمية، حيا مستشاره ستيفن ميلر «الإستراتيجية الاقتصادية الأكثر براعة في تاريخ الرؤساء الأميركيين».

ويستحيل التنبؤ بما ستكون عليه المراحل المقبلة في ولاية ترامب الثانية، إذ يبقى الجمهوري رئيساً غير قابل للتوقع، لكنه مهووس كذلك.

تبقى بعض هواجسه تفصيلية، مثل الأمر التنفيذي المتعلق بزيادة ضغط المياه في دوش الاستحمام ما يتيح له «غسل شعري الجميل» بشكل أفضل. لكن إجراءاته الأخرى تهز أركان النظام الاقتصادي والدبلوماسي في العالم، مثل رغبته المعلنة في ضم غرينلاند، وحديثه عن «السيطرة» على قطاع غزة، أو رؤيته الضمنية لعالم مقسم وفق مناطق نفوذ.

الثابت الوحيد بالنسبة الى المحللين، هو أن ترامب يعيش على جذب الاهتمام في الولايات المتحدة والعالم، والأكيد أنه قادر على استقطابه أفضل من أي شخصية سياسية أخرى في الزمن المعاصر.

لكن هذه الرغبة في أن يكون موضع الاهتمام على الدوام، قد تتحول الى نقطة ضعف في بلاد لا تتوقف فيها الحملات الانتخابية، ويتوقع أن ينصرف اهتمامها قريباً على التحضيرات للانتخابات الرئاسية لعام 2028.

هل يقبل ترامب بأن يكتفي بدور المتفرّج؟ يصعب تصوّر ذلك، خصوصا وأنه بدأ يتحدث بشكل دوري عن التشكيك في أن الدستور يحول دون ولاية ثالثة له.

وقال «ثمة طرق للقيام بذلك».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق