دعوها فإنها منتنة !

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
النعرات القبلية على مدى العصور موروث بغيض، تُولّد الكره والبغض، وتُلقي بظلالها السلبية على المجتمعات، فتصبح سبباً في تفكك النسيج الاجتماعي وتقسيم المجتمع إلى شرائح تعزز من الشعور بالعداء والغربة بين أفراد المجتمع الواحد، وتقلل من الروح الجماعية والتعاون، وتولّد الصراعات والنزاعات في المجتمع الواحد فتضعفه وتدمره داخلياً.

وتسببت النعرات القبلية في مختلف العصور في العديد من النزاعات والحروب، وأججت التمييز والعنصرية بين أفراد المجتمع بعد أن حولت ولاء الأشخاص نحو قبيلتهم دون وطنهم، وأسهمت النعرات على مدى التاريخ في حدوث التقسيمات الداخلية داخل المجتمعات والأوطان.

حزم وردع ضد مثيري النعرات

في حزم ردع، ورصد دائم لكل ما يهدد نسيج المجتمع ويمس النظام العام، ألقت شرطة محافظة الدوادمي بمنطقة الرياض القبض على شخصٍ؛ لنشره محتوى مرئياً من شأنه المساس بالنظام العام، وإثارة النعرات القبلية، والإساءة لإحدى المناطق، وجرى توقيف المتهم، واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه، وإحالته إلى النيابة العامة.

وفي واقعة أخرى، قبضت إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة منطقة الرياض على 10 مواطنين لتوثيقهم ونشرهم محتويات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن الدعوة للتجمع في مقهيين؛ ما نتج عنه إثارة نعرات قبلية بين عدد من الأشخاص.

وكشف الأمن العام تفاصيل القبض عليهم؛ إذ تم الإعلان في البداية عن ستة أشخاص وإعلان القبض عن أربعة أشخاص آخرين كان لهم دور في هذا التجمع. وجرى إيقافهم واتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم، وإحالتهم إلى الجهة المختصة.

وواصلت الجهات الأمنية حزمها ضد محاولات تفكيك المجتمع وتهديد الوحدة الوطنية والسلم المجتمع، فأعلنت وزارة الداخلية، القبض على سبعة مواطنين، وإحالتهم إلى النيابة العامة، وذلك لارتكابهم جرائم مُهددة للوحدة الوطنية والسلم والأمن المُجتمعي بنشر مشاركات مثيرة للتعصب القبلي المقيت والبغضاء والكراهية في المجتمع.

وحذرت وزارة الداخلية من كل ما من شأنه المساس بالنظام العام، وأكدت أن الجهات الأمنية تقف بحزم أمام كل من يحاول النيل من اللُّحمة الوطنية بإثارة النعرات القبلية المقيتة، وأن الجزاء الرادع سيكون مصيره.

ونبّه الخبير الأمني مدير عام المرور سابقاً اللواء متقاعد سلمان معيوض الجميعي، من خطر المساس بأمن الوطن عبر النعرات القبلية والتفرقة واحتكار الآخرين التي تقود إلى تدمير الأوطان.

وشدد على أن النعرات القبلية تقوم على مفهوم التمييز، وتهدف إلى التفرقة والعرقيات المجتمعية، وهي مرفوضة شرعاً وعقلاً واجتماعياً، مضيفاً: لا شك أنها تهدد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والوطني وتعطّل التنمية والبناء للمجتمع إنْ ساد فيها التفرقة والبغض والتنافر؛ لذا تجد الدول تحرص على مكافحة النعرات القبلية، ومنعها، ومعاقبة مرتكبيها بموجب الأنظمة والقوانين.

وأكد اللواء الجميعي ضرورة الحفاظ على مكون الشعب السعودي ووحدته، وتعزيز الوحدة الوطنية، ورفض النعرات القبلية، ونصّت المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفُرقة والفتنة والانقسام.

وأردف مما يجب علينا المحافظة عليه هي اللّحمة الوطنية ونبذ كل سبيل أو طريق لفكّها أو حلّها، ولقد منّ الله علينا بأن جمع قلوبنا وأفئدتنا على الطاعة لله ورسوله ثم لولاة أمر هذه البلاد المباركة، الذين حرصوا على نبذ كل ما يمس أمن الوطن من ظواهر وأفعال فكانوا خير من يمقت العصبية القبلية والنعرات والعنصرية، لتنهض الأمة ويتقدم الوطن، ونحن نرى بلاداً غيرها تموج بها الفتن والفُرقة والاستبداد وانعدام الأمن.

واختتم اللواء الجميعي حديثه بأن العصبية القبلية دعوى جاهلية، إذا فشت في بقعة فإنها تتسبب في تفتيتها، وإذا أراد أعداء أي بلد أن ينالوا منه، فإنهم يجعلون من إثارة العصبيات القبلية طريقاً للوصول إلى مبتغاهم يتم عبرها تحقيق أهدافهم في تفرقة المجتمعات فتسقط الدول.

الخبير الأمني العميد متقاعد عبدالله الجعيد قال: لنا في رسول الله النموذج الأكمل والمدرسة الأوفى فقد نهى عن العصبية القبلية، إذ قال: «دعوها فإنها منتنة»؛ أي أنه يقول لا للتعصب للشكل أو اللون أو القبيلة، وقال: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا أحد على أحد إلا بالتقوى». فالهدف من القبائل ليس للتعصب، لقوله تعالى: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

وزاد قائلاً: حبا الله هذه البلاد بقيادة حكمية وضعت المواطن أولاً، فأصبح الوطن شعباً واحداً وأمة واحدة خلف قيادة، بذلت وتبذل الغالي والنفيس لتعزيز اللُّحمة الوطنية وغرسها في النشء والمجتمع كافة تحت مظلة الدين والقيم والقوانين لدرء الأخطار وإفشال المؤامرات ضد الوطن، وللحفاظ على مكتسبات الوطن العظيم في منهجية رصينة ما يضمن استقراره.

وحذر العميد الجعيد من محاولات هدم جدار اللحمة الوطنية عبر استخدام بعض المنصات الاجتماعية، فكل تلك المحاولات تتحطم على صخرة التلاحم الوطني الرافض لكل ما يقيض أمنه ويهدده من الأفعال التي من شأنها إثارة النعرات القبلية والمساس بالوحدة الوطنية، والسلم الاجتماعي، وتقديم مرتكبيها للعدالة، وتطبيق أقصى العقوبات بحقهم.

قانوني

عقوبات رادعة لكل مثير للنعرات القبلية

كشف المستشار القانوني المحامي عبدالعزيز بن دبشي لـ«عكاظ»، أن أجهزة الدولة تواجه أية محاولات للمساس باللحمة الوطنية وإثارة العصبية والنعرات القبلية المقيتة بكل حزم، كونها تجرؤاً سافراً على مبادئ الوحدة والائتلاف واجتماع الكلمة التي قامت عليها هذه الدولة، وتفرق بين أفراد المجتمع وتنشر البغضاء والكراهية، وهذا يُعد مساساً بالنظام العام وجريمة يُعاقب عليها القانون، وهو ما يستوجب رفع الوعي بخطورة تلك المُمارسات الخطيرة وانعكاساتها السلبية على الأمن والسلم المجتمعي.

وزاد المجتمع السعودي يقوم على التكافل والترابط، إذ نصّت المادة الحادية عشرة من النظام الأساسي للحكم على ما يلي: «يقوم المجتمع السعودي على أساس من الاعتصام بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم»، مضيفاً إثارة النعرات القبلية تعني التمييز، أو التفرقة، أو الاستهزاء، أو الاحتقار بين القبائل أو العرقيات أو المناطق أو المذاهب أو الطوائف أو الأفكار أو السياسات، وهي ظاهرة مرفوضة شرعاً ومجرمة نظاماً.

وأضاف: فرضت عقوبات نظامية بحق كل من يثير النعرات القبلية ويهدد الوحدة الوطنية والسلم المجتمعي، فتعزيز الوحدة الوطنية واجب؛ لذا منعت الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام، وجاء في (المادة 6) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب أيّاً من الجرائم المعلوماتية المتعلقة بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

وبين بن دبشي أن (المادة 5) من نظام الإعلام المرئي والمسموع نصت على عدم التعرض إلى ما من شأنه إثارة النعرات والفرقة والكراهية بين المواطنين، والتحريض على العنف، وتهديد السلم المجتمعي، وعقوبته كما جاءت في (المادة 17) من النظام ذاته، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر؛ يعاقب كل من يخالف أحكام النظام أو اللائحة بعقوبة أو أكثر من العقوبات التالية؛ غرامة لا تزيد على 10 ملايين ريال، والإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على ستّة أشهر، وإلغاء الترخيص، وأن يكون تحصيل الغرامة مشمولاً بالنفاذ المعجل.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق