محليات
0

الطاقة الشمسية
الدوحة - قنا
تشهد دولة قطر تحولا نوعيا في قطاع الطاقة منذ العام 2022، يتوقع أن يتعزز بتدشين محطتي رأس لفان ومسيعيد للطاقة الشمسية الكهروضوئية، غدا /الإثنين/، مما يفتح الطريق أمامها للاعتماد على الطاقة المتجددة كركن أساسي في مزيج الطاقة الوطني، ويجسد التنوع الاقتصادي والالتزام بتحقيق الاستدامة البيئية وفقا لرؤيتها الوطنية 2030.
فمن خلال إضافة قدرة إنتاجية تبلغ 875 ميغاواط عبر محطتي رأس لفان، ومسيعيد للطاقة الشمسية، إلى جانب الطاقة المنتجة من محطة الخرسعة التي دخلت الخدمة عام 2022 بطاقة 800 ميغاواط، تقترب قطر من بلوغ قدرة إجمالية تقارب 1700 ميغاواط، بما يمثل خطوة متقدمة على طريق تحقيق هدف إنتاج 4000 ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، أي ما يعادل حوالي 30% من إجمالي الكهرباء المنتجة محليا.
ويمثل هذا الإنجاز مرتكزا أساسيا لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة، واستراتيجية قطر للطاقة للاستدامة، الهادفة إلى زيادة مساهمة مصادر هذه الطاقة في مزيج الطاقة الوطني، مع التركيز على الطاقة الشمسية باعتبارها الخيار الأكثر جدوى في ظل الظروف المناخية المحلية.
ويواكب هذا التوجه العمل على تطوير البنية التحتية اللازمة لدمج الطاقة المتجددة في الشبكة الوطنية، وتوفير الحوافز المالية والتشريعية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى دعم البحث والتطوير في تقنيات تخزين الطاقة وتحسين كفاءة الألواح الشمسية، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث العالمية، فضلا عن دعم برامج التوعية المجتمعية، وتعزيز القدرات الوطنية في مجالات التشغيل والصيانة وإدارة المشاريع الكبرى للطاقة المتجددة.
وضمن هذا التوجه، تواصل قطر للطاقة تطوير مشروع ضخم في منطقة دخان بقدرة إنتاجية تصل إلى 2000 ميغاواط، ليصبح من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، ومن المتوقع أن يدخل الخدمة قبل نهاية العقد الجاري، حيث أعلن سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ/قطر للطاقة/، في أوائل سبتمبر الماضي عن خطة لبناء هذه المحطة، التي ستضاف إلى محطات الخرسعة، ورأس لفان، ومسيعيد، ما سيرفع إجمالي القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في قطر إلى 4000 ميغاواط بحلول عام 2030.
وتنبع أهمية المحطات الثلاث (الخرسعة، ومسيعيد، ورأس لفان) من حجم تقليل الانبعاثات المخطط أن يبلغ في المجمل نحو 28 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون على مدى عمرها التشغيلي، وهو ما ينسجم مع التزامات قطر بموجب الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، ومن كونها كذلك تعتمد على تقنيات متطورة مثل الألواح ثنائية الوجه التي تزيد الكفاءة بنسبة 15% مقارنة بالألواح التقليدية، وتتوفر على أنظمة تتبع أحادية المحور لتحسين زاوية امتصاص أشعة الشمس، مما يعزز الإنتاجية بنسبة تصل إلى 25%، وتستخدم الروبوتات لتنظيف الألواح ليلا باستخدام المياه المعالجة، وهو ما يقلل من فقدان الكفاءة بسبب تراكم الغبار.
في هذا الصدد، قال الدكتور حازم رحاحلة مدير وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "إن هذه المشاريع المتتالية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قطر لا تنظر إلى الطاقة المتجددة كخيار مرحلي، بل كخيار استراتيجي ضمن رؤيتها المتوازنة للتنمية الشاملة والمستدامة. فهي تمثل ركيزة توازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وحماية البيئة، وتعكس إيمانا حقيقيا بأن الاستثمار في الطاقة النظيفة هو استثمار في المستقبل".
وأكد رحاحلة أنه بهذا النهج، ترسخ دولة قطر مكانتها كفاعل رئيسي وملتزم على خريطة الطاقة النظيفة العالمية، وهي على ما يبدو ماضية بكل ثقة نحو تحقيق أهدافها البيئية والتنموية بقدر عال من المسؤولية والريادة، مشيرا إلى أن إنشاء محطتي رأس لفان، ومسيعيد للطاقة الشمسية، على مساحة إجمالية قدرها 10 كيلومترات مربعة، وبتكلفة تصل إلى 2.3 مليار ريال، يجسد بوضوح جدية دولة قطر في تنفيذ استراتيجيتها الطموحة والمسؤولة في مجال الطاقة المستدامة.
وأوضح بقوله: "هذان المشروعان لا يعكسان فقط التزاما وطنيا، بل يرسخان أيضا مكانة قطر بين الدول الرائدة عالميا في مسار التحول نحو الطاقة النظيفة، بما ينسجم مع الجهود الدولية الرامية إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة".
ولفت إلى أن إضافة قدرة إنتاجية جديدة تبلغ 875 ميغاواط، يمثل قفزة نوعية في قدرات الدولة على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. فمنذ تدشين محطة الخرسعة في عام 2022 بطاقة إنتاجية بلغت 800 ميغاواط، وقطر تسير بخطى متسارعة لتعزيز هذا القطاع، حتى تمكنت خلال ثلاث سنوات فقط من مضاعفة قدرتها الإنتاجية، وهو إنجاز لافت في حد ذاته.
واعتبر الدكتور رحاحلة أن تبني الدولة لمشروع محطة دخان للطاقة الشمسية، الذي يعد من أكبر المشاريع على المستوى العالمي والمقرر إنجازه قبل عام 2030 بقدرة تصل إلى 2000 ميغاواط، يشكل أيضا خطوة جريئة ذات دلالة استراتيجية.
وتابع قوله: "يتوقع أن يرفع هذا المشروع مساهمة الطاقة الشمسية إلى نحو 30% من إجمالي القدرة التوليدية للكهرباء في الدولة، وسيجعل قطر تساهم منفردة في خفض الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4.5 مليون طن سنويا".
ويتكامل هذا المسار مع مبادرات أخرى مثل مشروع "الأمونيا الزرقاء" في مسيعيد، الذي يستهدف التقاط وتخزين 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، ويعتمد جزئيا على الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية.
كما تواصل قطر للطاقة المضي قدما في تطوير حلول مبتكرة لخفض الانبعاثات، من خلال تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، مستهدفة التقاط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035.
وتسهم الجهود المبذولة لتعزيز القدرات الوطنية في مجالات التشغيل والصيانة وإدارة مشاريع الطاقة المتجددة، كذلك في تكريسه، فعدا عن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والتطور التكنولوجي والدعم المؤسسي، تولي قطر أهمية خاصة لبرامج التوعية المجتمعية لتشجيع الأفراد والشركات على تبني حلول الطاقة النظيفة.
وفي هذا السياق، أطلقت المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء (كهرماء) خدمة "BeSolar" لتشجيع الأسر والمنشآت على تركيب الأنظمة الشمسية الصغيرة، مع تطبيق آلية "صافي الفوترة" التي تسمح للمشتركين ببيع الفائض من الكهرباء إلى الشبكة الوطنية، مما يخفض فواتير الاستهلاك.
كما تعمل /مؤسسة قطر/ على مشاريع رائدة مثل "الشبكة الذكية للطاقة الشمسية"، التي ربطت مرافق متعددة بأنظمة كهروضوئية بقدرة 1.68 ميغاواط، إلى جانب إنشاء مركز مراقبة الطاقة لإدارة التوليد والاستهلاك.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيتوقع مع تدشين هذه المحطات أن ينمو سوق الطاقة الشمسية في قطر بمعدل سنوي مركب يبلغ 15.5% حتى عام 2027، وفقا لمجموعة /موردور إنتليجنس/ المتخصصة في أبحاث السوق والاستشارات، مدفوعا بالاستثمارات الحكومية والخاصة في المشاريع الكبرى، مما سيقلل الاعتماد على الغاز الطبيعي الذي يشكل حاليا النسبة الأكبر في توليد الكهرباء، ويدعم تنويع مصادر الدخل الوطني ويحسن أمن الطاقة.
وفي المحصلة، تجسد استثمارات الطاقة الشمسية في قطر نموذجا متكاملا للتحول الاقتصادي والالتزام البيئي، وتعزز مكانة الدولة كرائد إقليمي في مجال الطاقة المتجددة، مع استمرارها في تطوير مشاريع ضخمة، وتبني سياسات داعمة وابتكارات تكنولوجية تضعها على مسار تحقيق أهدافها الطموحة في الاستدامة وتنويع الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030 وما بعدها.
ويأتي هذا التحول في وقت شهد فيه سوق الطاقة الشمسية نموا متسارعا على مستوى العالم؛ فقد قفز توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وفقا لوحدة أبحاث الطاقة بمنصة الطاقة (مقرها الولايات المتحدة)، إلى مستوى قياسي جديد بلغ 2.13 ألف تيراواط/ساعة خلال عام 2024، مقابل 1.65 ألف تيراواط/ساعة في 2023.
كما استحوذت الطاقة الشمسية العام الماضي على نسبة 6.9% من مزيج توليد الكهرباء عالميا، مقارنة بنحو 5.6% في عام 2023.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
0 تعليق