مما لا شك فيه أن مجلس الإدارة في الشركات المساهمة يعد من أهم الأركان الإدارية فيها، فهو المسؤول عن رسم السياسات والخطط العامة، واتخاذ القرارات الاستراتيجية، ومراقبة الأداء المالي والإداري، والذي يصب بالنهاية في مستوى أداء الشركة، ويتكوّن مجلس الإدارة من مجموعة من الأعضاء الذين قد يتم انتخابهم عن طريق الجمعية العامة أو تعيينهم من قبل المساهمين في الشركة بنسبة ملكياتهم فيها.
وضمن هذا السياق، يشّكل عضو مجلس الإدارة حجر الأساس في هذا البناء المؤسسي، إذ إن جودة قراراته وكفاءته تؤثر بشكل جليّ ومباشر في تحديد مسار الشركة، فهو العقل المدبر لها، ويلعب دوراً محورياً في ضمان نجاح الشركات وتحقيق أعلى الأرباح، فهو يقوم بمراقبة الأداء المالي والتشغيلي للشركة، ويتابع مدى التزامها بالقوانين واللوائح، مما يجنبها من المخاطر القانونية والمالية.
تعدد العضوية في مجالس إدارات الشركات المساهمة:
تسمح القوانين للشخص بأن يكون عضواً في مجلس إدارة أكثر من شركة مساهمة عامة واحدة، ومن الممكن لهذا التعدد أن يوفر تنوعاً في الخبرات، ويساعد في نقلها بين الشركات، فلا يمكن إنكار مدى التَمَرُّس الذي يتمتع به هذا العضو من خلال عضويته في أكثر من شركة، إلا أن هذا التعدد يثير بعض التحديات القانونية والأخلاقية، ولعلها تتمثل في تعارض المصالح، خصوصاً إذا كان هذا العضو يعمل في ذات القطاع، ويسعى لنفس العملاء، ومن الجانب العملي قد يسبب هذا التعدد الإجهاد وعدم التفرغ، فقد يصعب على هذا العضو التركيز وتقديم ذات الكفاءة في جميع الشركات، ولا يغيب عن الأمر فكرة قوة تأثير القرارات، فعضو مجلس الإدارة في أكثر من شركة قد يمارس تأثيراً مضاعفاً على السوق، ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
لذلك نجد أن أغلبية القوانين، وضمنها الكويت، تقيّد عدد عضويات مجلس الإدارة التي يمكن للشخص الواحد أن يشغلها، كما نُظِّم ذلك في المادة رقم 194 من قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة، حيث نصت على أنه «لا يجوز للشخص، ولو كان ممثلاً لشخص طبيعي أو اعتباري أن يكون عضواً في مجلس إدارة أكثر من 5 شركات مساهمة عامة مركزها في الكويت، ولا أن يكون رئيساً لمجلس الإدارة في أكثر من شركة مساهمة واحدة مركزها في الكويت، ويترتب على مخالفة هذا الشرط بطلان عضويته في الشركات التي تزيد على العدد المقرر وفقاً لحداثة التعيين فيها، وما يترتب على ذلك من آثار، وذلك مع عدم الإخلال بحقوق غير الحسني النية، ويلتزم من يخالف هذا الشرط بأن يرد إلى الشركة التي أبطلت عضويته فيها ما يكون قد حصل عليه من مكافآت أو مزايا».
فهذا القيد يحقق مبدأ كفاءة عضو مجلس الإدارة، إذ إن المشرع الكويتي ارتأى أن الطاقة الفكرية والعضلية للشخص لا يمكن أن تتعدى خمسة مجالس إدارات، فوضع قيداً لتعدد العضويات كحد أقصى، وبطلان عضوية ما قد يتجاوز عن هذا التعدد، ومن جانب آخر، يحقق هذا النص القانوني السابق فكرة «عدم تعارض المصالح» خصوصاً مع الحظر الخاص برئاسة مجلس إدارة أكثر من شركة مساهمة واحدة في الكويت، فلا يجوز للشخص أن يكون رئيساً لمجلس إدارة أكثر من شركة مساهمة في الكويت.حظر الجمع بين عضويتي مجلس إدارة شركتين متنافستين
العضوية في مجالس إدارات الشركات المتنافسة:
مادام المشرع سمح بتعدد العضويات في مجالس إدارات الشركات المساهمة، ففي واقع الحال قد يجمع الشخص بين عضوية مجلس إدارة شركتين متنافستين، والحقيقة ان هذه المسألة تثير إشكاليات حوكميّة قانونية، حيث يعتبر هذا العضو مطلعاً على أسرار الشركة، وعلى دراية بالمعلومات الداخلية، فيكون في موضع شك بتغليب كفة إحدى الشركتين المتنافستين اللتين هو عضو في مجلس إدارتيهما، ولفك هذا التشابك حظر القانون الكويتي على عضو مجلس الإدارة أن يجمع بين عضوية شركتين متنافستين، حيث نصت المادة 197 من قانون الشركات السابق ذكره على أنه «لا يجوز لرئيس مجلس الإدارة أو لأي من أعضاء المجلس، أن يجمع بين عضوية مجلس إدارة شركتين متنافستين، أو أن يشترك في أي عمل من شأنه منافسة الشركة أو أن يتاجر لحسابه أو لحساب غيره في أحد فروع النشاط الذي تزاوله، وإلا كان لها أن تطالبه بالتعويض أو باعتبار العمليات التي زاولها لحسابه كأنها أجريت لحساب الشركة ما لم يكن ذلك بموافقة الجمعية العامة العادية».
وعليه فالمشرع يحظر على الشخص أن يكون عضواً في مجلسي إدارة شركتين متنافستين، حيث افترض حتماً أن هناك تعارضا بالمصالح، ومن جانب آخر سمح بالإجازة لفك شبهة التعارض من خلال موافقة الجمعية العامة، وتحت هذا الإطار تثار بعض التساؤلات العملية والتي لم يتناولها المشرع تفصيلاً:
• ما معايير موافقة الجمعية العامة على منافسة عضو مجلس الإدارة للشركة؟
• هل يَلزَم موافقة الجمعية العامة على كل تعاقد من قبل هذا العضو المنافس أم يُمنَح موافقة مسبقة لجميع تعاملاته المستقبلية مع الشركة؟
• هل يمكن لعضو مجلس الإدارة أن يملك أو يدير محلاً أو مؤسسة مالية منافسة للشركة التي هو عضو في مجلس إدارتها؟
• وهل يسري هذا الحظر على عضوية شركات منافسة غير كويتية؟
ولا يغيب عن الأمر التساؤل عن ماهية فكرة المنافسة؟ فهل يتم تقديرها من قبل أعضاء مجلس الإدارة أنفسهم؟ أو من خلال النظر على الغرض الرئيسي للشركة؟ وغيرها من التساؤلات التي قد تثار من خلال الواقع العملي.
ختاماً
عضوية مجلس إدارة الشركات المساهمة ليست منصباً شرفياً، بل هي مسؤولية قانونية وأخلاقية لها تأثير مباشر على مصالح المساهمين والمتعاملين مع الشركة، وتعدد عضوية المجالس قد يثري الخبرات، لكنه يحمل مخاطر تتطلب تنظيماً دقيقاً، ولاسيما حين يتعلق الأمر بعضوية شركات متنافسة، لذا تبرز الحاجة إلى الالتزام بقواعد الحوكمة، ووضع معايير واضحة وصارمة توازن بين حرية العضوية ومصالح الشركات.
* القانون التجاري – كلية الحقوق – جامعة الكويت
0 تعليق